من أعجب العجائب وأغرب الغرائب أن تتحول صفة مذمومة في كافة ألأديان والتشريعات والأعراف والأخلاقيات , إلى صفة محمودة وحالة مقبولة , بل وتكون بضاعة رائجة وبطانة خير ومحل ثقة وأمانة في أماكن أخرى , تتصدر وتزين بعض المجالس والدواوين وتكون كألذ فاكهة فيها بعد الغيبة والنميمة ألا وهي (الكذب) والكذابين !!
تعلمنا وتعلم أبنائنا ومنذ نعومة أظافرنا الكذب , فهو في كل مسلك من مسالك الحياة في البيت في الشارع في المدرسة وأماكن العمل , بل وأصبح دَيدَن الرجال في هزيمة الخصوم وإلصاق بالنفس صفة ألأبطال , فهم يقولون مالا يفعلون وفي كل واد يهيمون , فهو أذن الكذب والضحك على العقول والذقون !!
ولا يجوز ذكر الكذب دون ذكر عالم السياسة , فهم بالكذب يستولون على الحكم , ثم بالكذب ينشئون دولة وإمبراطورية ديمقراطية مترامية ألأطراف , أركانها وحكمها العدل والمساواة , غايتهم وأسمى أمانيهم رضا الله , وخدمة الشعب والأمة !!
لم ينحصر الكذب بين هؤلاء وهؤلاء , فمن المؤكد وجوده في عالم التجارة والمال أيضاً , والتي بعضها تدار بالكذب وتساق بمجموعة كذابين همهم المال وتكديس الحرام , ألا ما رحم ربي , حتى أصبح الغنى والنجاح مقروناً بالكذب , والفقر والفشل مقروناً بالصدق ؟!
أما صناعة ألأعلام والإعلانات , فكثير منهم ماضيٍ في كذبه وتزيفهِ للحقائق والوقائع , فبين ليلة وضحاها يتحول الجبان إلى الفاتح , والدول المارقة إلى دول ديمقراطية , والمراهم الشحمية والمرطبات , إلى علاجات لإزالة التجاعيد والترهُلات , وأدوية أخرى تطيل العمر وتعيد الشباب ، أما أحدث ما أنُتج من المنظفات والمطهرات ومعاجين ألأسنان , فمن مزيل للبقع والأوساخ بثوان إلى مثبت ومقوم للأسنان , وكل هذه المعجزات والاختراعات تدار وتُسوق بفضيلة الكذب وبراعة الكذابين , وخاصة في الدول التي لا رقيب ولا حسيب على صناعاتها , ولا قيمة ولا أهمية لأدميتها !!
أما في مزاد المجاملات , والمراسلات , والتهنئات , للكبار والشخصيات , فموضوعه يطول وشرحه بحاجة إلى وقت وإسهاب , وأصبح البارع في الكذب , هو البارع في تسليط الأضواء وجلب ألانتباه , وهناك قاعدة تقول بأن الكذب ملح الرجال وفلفل النساء , ولا أعرف عن أي ملح يتكلمون وعن أي نوع من الفلفل للطبخ يُحضرون ؟!
باختصار, أصبح الكذب فن وأسلوب جديد في الحياة , فهو في كل شيء , وأصبح عالمنا مليء بالكذب , وأصبحنا ندار, ونسير, ونتعامل بالكذب !!
فكل ألأمم تمقت الكذب وتنبذ الكذابين ولا مجال ولا أرضية لبذرة الكذب الخبيثة فيها , ألا أمتنا العظيمة أمة أقرأ (وما تحمل كلمة أقرأ من معان وقيم كبيرة , قيم تربي على الصدق والأمانة والإخلاص والوفاء بالعهد والوعد) التي تركت أفضل أمر وهو القراءة , ووالت الكذب والكذابين .؟!
قال ﷲ تعالى ﴿﴿ يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾﴾ فيا أمة أقرأ عودوا إلى قراءتكم , وكونوا مع الصادقين ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق