أصبح مصطلح الإستراتيجية مصطلحاَ مألوفاَ وموضوياَ ومشاعاَ تعودنا أن نسمعه ونردده ونقرأه في حياتنا اليومية، وانتشر في جميع المناشط العلمية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والمعلوماتية والاجتماعية والتجارية والصناعية وغيرها، بل امتد استخدامه إلى الأشخاص والأماكن والمواقع والأفكار والمفاهيم والإمكانات والإمكانيات.مثل: هذا شخص يملك رؤى إستراتيجية وهذا مكان إستراتيجي وذاك موقع إستراتيجي، وهذه فكرة إستراتيجية، وذاك مفهوم إستراتيجي، والدولة (س) لديها إمكانات (طرق حل) إستراتيجية، والدولة (ص) لديها إمكانيات (قدرات) إستراتيجية. والكثير من المستخدمين والمستهلكين لهذا المصطلح الرنان لا يدركون بعده العلمي والمعرفي الهام ومفهومه الأساس، وهذا الغموض والضبابية ليسا حديثي عهد. أما الجيوستراتيجية فهو مصطلح قديم حديث زمكانياَ ، واختلفت الرؤى حول إطاره من مدرسة إلى مدرسة، وارتبط حديثاَ بتطور علم الإستراتيجية الذي يطبق في شتى مجالات ومسارات الحياة، وفي السياق التالي سوف نشرح معنى ومفهوم الإستراتيجية والجيوستراتيجية وطبيعة العلاقة التواؤمية بين المصطلحين.
الإستراتيجية: الكلمة أصلها (Strategeos) يونانية، وتعني فن قيادة وإدارة الجيش. ومصطلح الإستراتيجية أصله عسكري، وتاريخياً ارتبط لفظ الإستراتيجية بفن الحرب وإدارتها. وجميع تعاريف الإستراتيجية القديمة كانت تصب في منظور العمليات العسكرية، ومنها: كارفون كلازوفيتز:( فن إعداد ووضع الخطط العامة للحرب). وفيل : ( هي فن وضع القوات في ميدان المعركة في المكان المرغوب). الجنرال البروسي مولتك: ( إجراءات عملية ملائمة للوسائل الموضوعة تحت سيطرة القائد في سبيل تحقيق هدف محدد). والجنرال أندريه بوفر:( فن استخدام القوة للوصول إلى أهداف سياسية). ونيكولا ميكافيلي في كتابه "فن الحرب" ) أصبح مفهوم الإستراتيجية يعني الحرب لتحقيق مصالح الأمة). وليدل هارت : ( هي فن توزيع واستخدام الوسائل العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية).
يلاحظ أن جميع التعاريف أعلاه ضيقت نطاق تعريف الإستراتيجية ومفهومها، وربطته بالعمليات العسكرية، وأظهرت أن الأسلوب الأمثل لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الوطنية هو الحرب. بمعنى أن منبع التعريف ومفهومه وطبيعته وإطاره يختص ويقتصر على الإستراتيجية العسكرية في مفهومها الشامل، وليست الإستراتيجية الوطنية التي تمثل القوة العسكرية إحدى أدوات القوة الوطنية.
الفهم المعاصر ابتعد عن هذا المفهوم وأعطاه شمولية ومساحة أوسع وأخرجه من ثوبه العسكري، ووظفه في جميع مناحي الحياة، لأهمية هذا العلم وضرورته. ومن أبسط تعاريف الإستراتيجية اليوم :( هي عملية اختيار أفضل الوسائل لتحقيق أهداف الدولة).
الإستراتيجية هرمية نسقية في مكوناتها وتفعيلها، تبدأ من الإستراتيجية الوطنية وتتفرع منها إستراتيجيات فرعية مثل (الإستراتيجية السياسية، والإستراتيجية الاقتصادية، والإستراتيجية العسكرية، والإستراتيجية المعلوماتية،والإستراتيجية الأمنية، والإستراتيجية الصحية .... إلخ). وكل إستراتيجية فرعية يتفرع عنها إستراتيجية فرعية الفرعية، مثل ( الإستراتيجية الأمنية: يتفرع عنها: إستراتيجية الأمن الفكري، وإستراتيجية الأمن الإلكتروني، وإستراتيجية مكافحة الإرهاب والإرهاب المضاد، وإستراتيجية الأمن العام، وإستراتيجية الدفاع المدني، وإستراتيجية أمن المنشآت، وإستراتيجية التوعية الأمنية ....إلخ).
من الشروط الرئيسة لأية إستراتيجية وفي أي مستوى : ( الوضوح، والتكامل، والتناسق، والتوافق، والتزامن، والشمول بين الأهداف والقطاعات المختلفة، وكذلك سهولة الاستدلال على طبيعة الطرق والوسائل والنهايات).
الجيوستراتيجية: هناك خلط لدى الكثيرين بين الجيوستراتيجية والإستراتيجية والجيوبوليتيك، والجغرافيا السياسية. كما أن تعريف الجيوستراتيجية قليل جداَ في المرجعيات العربية. عرفها أمين: (بأنها التخطيط السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يهتم بالبيئة الطبيعية، من ناحية استخدامها في تحليل أو تفهم المشكلات الاقتصادية أو السياسية ذات الصفة الدولية). وأضاف: ( أن الجيوستراتيجية تبحث في المركز الإستراتيجي للدولة أو الوحدة السياسية، سواء في الحرب أو السلم، فتتناوله بالتحليل إلى عناصره أو عوامله الجغرافية العشرة، وهي : الموقع، والحجم، والشكل، والاتصال بالبحر، والحدود، والعلاقة بالمحيط، والطبوغرافيا، والمناخ، والموارد، والسكان) . أما عدنان يقول: إن مصطلح الجيوستراتيجية يعني: ( دراسة الموقع الإستراتيجي للدولة أو المنطقة الإقليمية، ومدى تأثير هذا الموقع في العلاقات السلمية والحربية) .
الفرق بين الإستراتيجية والجيوستراتيجية نتيجة لرغبة الكثير من المؤسسات سواء في القطاع العام أو الخاص في وضع رؤى مستقبلية توضح أهداف إستراتيجية ترمي لها تلك المؤسسات من خلال منتدى أو جمعية عمومية أو ندوة علمية أو حلقة دراسية أو محاضرة أو ورش عمل أو أوراق عمل، تقوم تلك المؤسسات بتوظيف وترديد مصطلح الإستراتيجية. وبعد النظر في مخرجات ذلك المنشط نجد أن أحداثه وتفاعيله بعيدة كل البعد عن علم الإستراتيجية، سواء من حيث المفهوم أو المدلول أو المساق أو الأهداف. وبعد القراءة المتأنية لبعض تلك المخرجات نجدها عبارة عن سلسلة من المناشط والأحداث بعيدة كل البعد عن النموذج الإستراتيجي، بل وصل الحد في بعضها إلى أنه يفتقر إلى مجموعة الأفكار الإستراتيجية التي تقود في مجملها إلى صياغة مفهوم إستراتيجي واضح . والبعض الآخر تجده وظف الجيوستراتيجية مكان الإستراتيجية بدون معرفة الفرق بينهما، علماَ بأن هناك فوارق في المصطلح وتعريفه ومفهومه وإطاره وعناصره وتوظيفه، على الرغم من العلاقة الوثيقة بينهما. وفي هذا السياق نريد أن نفرق بين الإستراتيجية والجيوستراتيجية في بعض المسارات:
التعاريف: الإستراتيجية: هي علم وفن تنسيق استخدام القوة الوطنية (السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعلوماتية) وغيرها، لتحقيق الأهداف الوطنية. بينما الجيوستراتيجية: هي دراسة أثر الموقع الإستراتيجي من خلال تفعيل وتوظيف إستراتيجيات سياسية واقتصادية وعسكرية ومعلوماتية وغيرها، لتحقيق الأهداف الوطنية.
العناصر:عناصر الإستراتيجية: (أ) السياسية: عبارة عن المهارات والطرق السياسية التي تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها الوطنية، وتعتبر العنصر الرئيس الذي يتولى إدارة واستخدام القوى المختلفة في الدولة. (ب) الاقتصادية: تمثل الموارد المالية والمادية للدولة، والتي تستخدمها في تحقيق غاياتها الوطنية. (ج) العسكرية: وتختص بقدرات الدولة على استخدام قوتها العسكرية في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية (وهو العنصر الغير مفضل استخدامه) ولكنه يمثل الحل الأخير لتحقيق تلك الأهداف عندما تفشل بقية أدوات القوة الوطنية الأخرى. (د) المعلوماتية: وتمثل جمع ومعالجة وتحليل المعلومات وأنظمة المعلومات في ظل الإعلام الآلي المحوسب، وأثره في تنفيذ الإستراتيجية المعلوماتية كفرع رئيس للإستراتيجية الوطنية.
وعناصر الجيوستراتيجية: (أ) الجيوسياسية: هي مجال يهتم بمدى تأثير المحيط الطبيعي لدولة ما على الحياة السياسية فيها سواء الداخلية أو الخارجية . (ب) الجيو اقتصادية: تدرس العلاقة بين الأرض والمعطيات الاقتصادية، ومدى تفاعلها وأثارها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، المباشرة وغير المباشرة، وبالتالي أثرها على المسارات والأنشطة الاقتصادية المحددة في الإستراتيجية الاقتصادية. (ج) الجيوعسكرية: تركز على العلاقة بين الأرض كبيئة للعمليات العسكرية، وأثرها في تحديد مكان وزمان ومسار وطبيعة العمليات العسكرية بمختلف أنواعها. كما تبرز مدى أثر الأرض وطبوغرافيتها في تحقيق الأهداف العسكرية في المستويات التكتيكية والعملياتية والإستراتيجية، كما تبرز أثر الطبيعة البشرية في بنية الإستراتيجية العسكرية والإستراتيجية العسكرية الوطنية. (د) الجيومعلوماتية: تهتم بأثر المكان في طبيعة جمع ومعالجة وتحليل المعلومات وأنظمة المعلومات في ظل الإعلام الآلي المحوسب، وأثر الإستراتيجية المعلوماتية ومعطياتها في مدلول الإستراتيجية الوطنية.
مدارس الإستراتيجية والجيوستراتيجية: هناك جامعات متميزة في التدريس والبحث في علم الإستراتيجية مثل جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك جامعات تهتم بالتدريس والبحث في علم الجيوستراتيجية، مثل جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، ومتعاونة في هذا المجال مع كلية الحرب للجيش الأمريكي. إضافة إلى جميع كليات الحرب والدفاع الوطني الأمريكية، وتعتبر من أكثر المؤسسات العلمية ريادة في مجال التعليم والدراسات والبحوث الإستراتيجية والجيوستراتيجية في العالم، ومنها: كلية الحرب للجيش، وكلية الحرب البحرية، وكلية الحرب الجوية، وكلية الحرب لمشاة البحرية، وجامعة الدفاع الوطني. وجميع كليات القيادة والأركان الأمريكية في القوات الأربع والقوات المسلحة، (ولكن بجرع مبسطة). وكذلك جميع كليات الحرب والدفاع الوطني في العالم (تختلف المستويات وكذلك المعطيات ومجالات الدراسة وطبيعة الدراسات الإستراتيجية في كل دولة، لكونها محكومة بعدة اعتبارات علمية وتعليمية واحترافية ومهنية وسياسية) تقوم بتدريس علم الإستراتيجية.
منقول عن جريدة الرياض
أول مدونة
عدنان الخاشقجي
بادرت بقبول طلب الكتابة في
"مدونات الجزيرة" والتي لا أعرف حتى الآن كيف ستختلف عن أي موقع مقالات
آخر، هل قلت "مقالات"؟ ما كان ينبغي قول
ذلك، إذ أن المدونة غير المقالة، هكذا يقولون عندما بحثت في غوغل
"ما
الفرق بين المدونة والمقالة".
بادرت لأني صحفي يؤمن أن الصحافة "تواصل"، لذلك أريد أن أجرب كل أدوات التواصل، والتواصل يعني أن يصبح للكاتب حضور وتأثير، ولكن هذا لن يكون إلا أن يكون لديه شيء يخبر به، معلومة ينقلها. لست صاحب قلم أو شاعرا رأس ماله مشاعره وبراعته في رص الكلمات، وإنما صحفي، والصحفي لابد أن تكون لديه معلومات، وكل المعلومات مهمة، ليس ضروريا أن يكون مطلعا على أسرار الانقلاب في تركيا مثلا، وهذا مهم، وثمة جمهور يريد ذلك، بل إنه في كل مناحي الحياة معلومات وأخبار هناك من يريد أن يعرفها.
·
·
الحكواتي في القهوة قبل مئة
عام لديه معلومات، بعضها صحيح وبعضها يصنعه وأحيانا يسقطها على واقع العالم الذي
يعيشه جمهوره، حتى تضبط الحبكة والإثارة، فيفهم المتلقي رسالته، حينها يتميز عن
غيره من الحكواتية. في زمن سطوة الصحافة الورقية اشتهر صحفيون دون غيرهم بعدما
أقنعوا المتلقين (بكونهم) "واصلين"، يعرفون ما الذي
يجري في أروقة الحكومة، وكثير ما يكون هذا انطباعا وليس حقيقة، ولكنه كاف لعمل
"التميز" الذي يشتهر به صاحبه.
ولكن عليه قبل أن "يصل" إلى دوائر القرار أن "يصل" إلى المنصة الإعلامية أولا، ويأخذ فرصته ويجرب قدرته في
التواصل والإقناع معا. ولم يكن ذلك سهلا، كان عليه إقناع رئيس التحرير أنه يستحق
ذلك العمود بصحيفته. تلعب الصدفة أو الصداقة والقرابة أو حتى الواسطة لعبتها، بعد ذلك عليه أن يقنع الجمهور أنه يستحق الوقوف على تلك
المنصة التي لا تتسع إلا لعدد محدود،، مثله مثل المطرب والفنان، بل حتى الواعظ.
منصات التواصل الاجتماعي الحرة
والشعبية، ألغت دور رئيس التحرير ومحرر صفحة الرأي وكذلك الناقد. بات بإمكان "المدون" أن يعرض بضاعته مباشرة، ثم يتعلم فنون التواصل الجديدة، وأهمها
"مفاتيح
البحث"، فالإنترنت سوق واسع، الدليل إليه مكائن البحث مثل غوغل، وهي ليست
الوحيدة ولكنها باتت الأقوى والأهم.
·
·
حتى الآن لم أحاول أن استخدم
هذه المفاتيح، ذلك أنني جديد على التدوين، ربما سأفعل ذلك عندما أكتب في مواضيع
محددة في الغالب ستكون حول السياسة والرحلات ومشاهداتي خلالها، فهو ما أجيده، إذ
يعجبني أن أروي للأصدقاء ما أسمعه وأشاهده، كأنني حكواتي سياسي.
تعجبني قصص المدونين الذين
أحبوا التدوين لذاته، تواصلوا فقط مع دائرة محدودة من الأهل والأصدقاء، ثم انتشروا
وحظوا بشهرة، أولئك لديهم معلومة إضافية جذبت إليهم القراء، وليس بسبب أسمائهم
وشهرتهم. بعضهم اشتهر عندما عرض تجاربه العادية في الحياة، تربية الأطفال أو
المطبخ، أو حتى بتقديم النصائح والعون لاستخدام البرامج الإلكترونية الجديدة، كلنا نستخدم مثلاا برنامج "أوفس " للكتابة، مثلي
الآن، ولكننا لا نعرف كل أدواته، نعرف فقط ما نستخدم، شخصيا أتمنى من يدلني على
طريقةة لتكبير حجم الحرف عندما أفتح أدوات التصحيح الإملائي بدون أن أكبر كل
الشاشة، لم أجد حتى الآن من يدلني على ذلك.
قلت غير مرة، في مؤتمرات
الإعلام العربية والتي راج (فيها) عقد جلسات لمناقشة تحولات الإعلام والصحافة،
خاصة السؤال الكلاسيكي عن مصير الصحافة الورقية: إنني لو كنت أستاذا للإعلام، فلن
"أطبع" كتابا عن قواعد الصحافة، لأن تلك القواعد ستتغير قبل أن تصل
مسودة الكتاب للناشر، إنها في حالة سيولة هائلة، بكل مناحيها، من الشكل إلى
المضمون، حتى أوعية التواصل تتبدل، ليس بسبب التسارع في تقنيات جديدة، وإنما حتى
مزاج المتلقين الذي يتنقل حيثما يحمله الهوى، لذلك الأفضل أن أجعل كتابي
"مدونة" أضيف إليها وأحذف، فليس هناك شكل واحد للمدونة، ولا للمقالة،
ولم يعد هناك أسلوب متفق عليه، ولا حتى شكل واحد للمواقع الإخبارية.
المهم أن أكون قادرا على فهم
رغبات المتلقين، والاستجابة لها، والتكيف معها، هذا ما سأفعله في مدونتي هذه.
منقول عن مدونات الجزيرة
هل حان الوقت لمغادرة الفيسبوك وعقد هدنة مع تويتر؟
فهد عامر الأحمدي
يقولون إننا من أكثر أمم الأرض استخداماً لهذين الموقعين..
وأنا أقول انظر إلى محتوانا ومستوى نقاشاتنا ثم توارى خجلاً غفر الله لي ولك !!
أنا شخصياً لم أحب أي منهما ومع هذا لم أكن غافلاً عن منافعهما في إيصال أفكاري والتواصل مع قرائي وأحبابي..
لم أكن غافلاً عن أهميتهما بالنسبة لعملي (ككاتب وإعلامي) ولكنني قررت مبكراً عدم الخوض في أي جدل بيزنطي أو نقاش سطحي أو شتائم تلتحف بعباءة النقد..
كنت على قناعة بأن المحتوى الجيد يسوق نفسه بنفسه، وأن الفكرة النافعة يتكفل الناس بنشرها نيابة عن كاتبها في حين يتلاشى ماعدا ذلك قبل حلول المساء....
ومن حسن الحظ نجح هذا "البروتوكول" في جذب أكثر من 110 آلاف متابع في تويتر و27 ألفاً في الفيسبوك (دون الحاجة لشراء المتابعين، إو إثارة الساذجين، أو جرح المؤمنين بمختلف تياراتهم)..
أصبحت سعيداً بامتلاك نخبة من المؤدبين وصفوة من المثقفين كون البذيء والسطحي لم يعد يتابعني منذ وقت طويل...
أما بالنسبة لك أنت؛ فحان الوقت كي تطرح على نفسك مجموعة من الأسئلة المهمة بخصوص الفيسبوك وتويتر:
ماذا استفدت منهما إلى الآن؟
ماذا حصلت على أكثر من الشتيمة والغيبة وحرق الأعصاب وفبركة الشائعات؟
كم سراً لك انكشف؟ وكم صديقاً منك غضب؟ وكم ذنباً عليك سجل؟ وكم حالة قلق سببها لك الفيسبوك وتويتر؟
... في مايو الماضي قالت أوبرا لطلاب هارفارد في المسرح الرئيسي للجامعة:
"الحياة أمامكم كبيرة فعليكم الابتعاد عن الفيسبوك ومواقع التواصل الأخرى
والخروج إلى الناس للتعرف عليهم ومناقشتهم وجها لوجه"...
فالفيسبوك وتويتر ساهما في قوقعة الشباب في أمريكا ورؤية الآخرين كحسابات شخصية تستقر في مكان ما على النت.. وإن كان هذا ماتقوله أوبرا في أمريكا فماذا نقول نحن الأكثر انطوائية بطبيعتنا والأقل حرية في بيئتنا والأكثر تسرعاً في الحكم على الأغراب...
ومع هذا كله؛ لا أطالب ولا أتوقع اختفاء مواقع التواصل الاجتماعي من حياتنا الحديثة، ولكنني أتساءل فقط إن كان الجميع يحتاجون فعلا لإنشاء حسابات فيها؟..
أتساءل إن كان الجميع يستخدمونها بالطريقة الصحيحة أو الوسيلة التي ابتكرت من أجلها؟
إن كانت حسناتها بالنسبة إليك تفوق سيئاتها؟ أو إن كانت منافعها بالنسبة لعملك تستحق الجهد الذي تبذله فيها؟
إن كان الجواب (لا) فخذها نصيحة وأغلق حساباتك فيها..
وإن كان الجواب (نعم) فاصنع لنفسك "خطة عمل" و "بروتوكلات تعامل" تعفيك من البذاءة والسطحية وإضاعة الوقت..
أما إن كنت حائراً بين (لا) و (نعم) فخذ مؤقتاً إجازة من الفيسبوك، وأعقد هدنة من تويتر واخرج لمقابلة أصدقائك الحقيقيين...
منقول عن جريدة الرياض السعودية
عشرة أسباب لهجر تويتر والفيسبوك
فهد عامر الأحمدي
هل حان الوقت لمغادرة الفيسبوك وعقد هدنة مع تويتر؟
هذا هو السؤال الذي طرحته كعنوان رئيسي في مقال نشر قبل ايام قليلة .. فبعد فترة طويلة من استخدامهما هل آن الأوان لأخذ استراحة منهما وحساب نتائج استمرارك فيهما؟
فإن لم تكن إعلاميا أو صاحب انتاج أدبي أو حتى صاحب مؤسسة ترغب بالترويج لمنتجاتك فلن تجني من بقائك فيهما أكثر من الغيبة والنميمة وإضاعة الوقت والخوض في اللغو والشائعات!!
لا يمكنني طبعا إصدار حكم جازم أو مطلق أو أدعي جدية هذا الطلب ممن يستفيدون منهما فعلا ولكن بالنسبة لعامة الناس يمكنني تقديم أكثر من عشرة أسباب تكفي لهجر تويتر ومقاطعة الفيسبوك (أو على الأقل تخفيض نسبة دخولهما):
* فالسبب الأول أنهما ببساطة "مضيعة للوقت" يستقطعان من عمرك وجهدك دون مردود حقيقي او ايجابي.. والأسوأ من هذا احتمال إدمانك عليهما فتصبح مشغولا بمتابعتهما حتى أثناء وجودك بين أقربائك وأفراد عائلتك!!
* والثاني: أنهما لايستقطعان من وقتك فقط؛ بل ومن فرصة استفادتك من الانترنت وكمبيوترك الشخصي لانجاز أعمالك وتطوير ذاتك ورفع مستوى ثقافتك .. وكثيرا ما أقول لأطفالي: لو أنني (حين أجلس للكمبيوتر) أفتح اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي لما كتبت مقالا في اليوم!
* والثالث: أنهما يبرزان الوجه السيئ والشرير للناس بسبب ميزة التخفي خلفهما.. فمستوى البذاءة والشتائم والسطحية التي نلمسها في هذين الموقعين لم تكن لتظهر لو تقابل الناس وجها لوجه حيث تسود اللباقة في التعامل والمجاملة في الكلام...
* والرابع: أن اشتراكك فيهما يعني مشاركتك في محتواهما.. ومشاركتك في محتواهما يعني قبولك طواعية التخلي عن أسرارك الشخصية وبياناتك الفردية.. ولأنها تظل في عالم النت الى الأبد، لا تضمن ارتدادها عليك مستقبلا بشكل سيئ!!
* والخامس: ان اشتراكك فيهما يعني إضافتك لمحتواهما السلبي أو خوضك في اللغو والشائعات وأعراض الناس.. وفي أحسن الحالات لن تسلم من إعادة نشر ما يختلقه ويفبركه الآخرون (وكنا نخوض مع الخائضين)...
* والسادس: أن معظم من تعتقد أنهم أصدقاؤك على النت هم في الحقيقة أشخاص لا تعرفهم فعلا.. أشخاص أما يحبونك ولكنك للأسف لا تراهم ولا تستطيع الالتقاء بهم، أو يكرهونك ويعادونك من وراء حجاب .. فلماذا تحمل همهم أصلا!!
* والسابع: أن طبيعتنا المحافظة (التي ساهمت بتخفي ملايين السعوديين خلف تويتر والفيسبوك) هي ما يدفعك لنشر أفكارك وآرائك من خلال هذين الموقعين.. ولكن لاحظ أن نشرها أمام العامة وبهذه الطريقة غير المنضبطة قد يعرضك لمشكلة غير متوقعة (بسبب مشاركتك برأي جريء أو تصريح مشين أو حتى تسريب آراء ووثائق تخص الآخرين...)
* والثامن: أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست بريئة أو مسالمة كما تتصور.. فهي تستغل بيانات المستخدمين وتبيعها لجهات تجارية أخرى (فالفيسبوك وتويتر يملكان حاليا معلومات عن مواطني العالم تفوق ما تملكه مخابرات العالم مجتمعه)!!
* والتاسع: أن العيش بسعادة يقتضي التقليل من عوامل القلق والهم والانشغال الدائم.. وهذه العناصر بالذات تقدمها لك يوميا مواقع التواصل الاجتماعي (وليسأل كل منكم نفسه: هل ارتفع أم انخفض مستوى قلقي منذ تعرفت عليها؟)...
* أما السبب العاشر والأخير: فهو أن الفيسبوك وتويتر وانستجرام والواتساب وجوجل بلس وبرامج الكيك جميعها (كما قال أحد المشايخ) صناديق مغلقة إن لم تفتح في الدنيا، ستفتح في الآخرة وتلقاها كتاباً منشوراً!!
ان لم تقنعك كل هذه الأسباب فحاول على الأقل خفض نسبة دخولك إليها من جهة ورفع نسبة تقيدك ببروتوكول التعامل الذي شرحته في المقال السابق من جهة أخرى.. أما إن اعتقدت أنها غير صحيحة (بالكامل) فهذا مؤشر على وصولك لحالة إدمان الكتروني، وتطرف افتراضي، وانعزال عن العالم الواقعي... وليخبرنا المدمن بتجربته...
منقول عن جريدة الرياض السعودية
وأنا أقول انظر إلى محتوانا ومستوى نقاشاتنا ثم توارى خجلاً غفر الله لي ولك !!
أنا شخصياً لم أحب أي منهما ومع هذا لم أكن غافلاً عن منافعهما في إيصال أفكاري والتواصل مع قرائي وأحبابي..
لم أكن غافلاً عن أهميتهما بالنسبة لعملي (ككاتب وإعلامي) ولكنني قررت مبكراً عدم الخوض في أي جدل بيزنطي أو نقاش سطحي أو شتائم تلتحف بعباءة النقد..
كنت على قناعة بأن المحتوى الجيد يسوق نفسه بنفسه، وأن الفكرة النافعة يتكفل الناس بنشرها نيابة عن كاتبها في حين يتلاشى ماعدا ذلك قبل حلول المساء....
ومن حسن الحظ نجح هذا "البروتوكول" في جذب أكثر من 110 آلاف متابع في تويتر و27 ألفاً في الفيسبوك (دون الحاجة لشراء المتابعين، إو إثارة الساذجين، أو جرح المؤمنين بمختلف تياراتهم)..
أصبحت سعيداً بامتلاك نخبة من المؤدبين وصفوة من المثقفين كون البذيء والسطحي لم يعد يتابعني منذ وقت طويل...
أما بالنسبة لك أنت؛ فحان الوقت كي تطرح على نفسك مجموعة من الأسئلة المهمة بخصوص الفيسبوك وتويتر:
ماذا استفدت منهما إلى الآن؟
ماذا حصلت على أكثر من الشتيمة والغيبة وحرق الأعصاب وفبركة الشائعات؟
كم سراً لك انكشف؟ وكم صديقاً منك غضب؟ وكم ذنباً عليك سجل؟ وكم حالة قلق سببها لك الفيسبوك وتويتر؟
... في مايو الماضي قالت أوبرا لطلاب هارفارد في المسرح الرئيسي للجامعة:
"الحياة أمامكم كبيرة فعليكم الابتعاد عن الفيسبوك ومواقع التواصل الأخرى
والخروج إلى الناس للتعرف عليهم ومناقشتهم وجها لوجه"...
فالفيسبوك وتويتر ساهما في قوقعة الشباب في أمريكا ورؤية الآخرين كحسابات شخصية تستقر في مكان ما على النت.. وإن كان هذا ماتقوله أوبرا في أمريكا فماذا نقول نحن الأكثر انطوائية بطبيعتنا والأقل حرية في بيئتنا والأكثر تسرعاً في الحكم على الأغراب...
ومع هذا كله؛ لا أطالب ولا أتوقع اختفاء مواقع التواصل الاجتماعي من حياتنا الحديثة، ولكنني أتساءل فقط إن كان الجميع يحتاجون فعلا لإنشاء حسابات فيها؟..
أتساءل إن كان الجميع يستخدمونها بالطريقة الصحيحة أو الوسيلة التي ابتكرت من أجلها؟
إن كانت حسناتها بالنسبة إليك تفوق سيئاتها؟ أو إن كانت منافعها بالنسبة لعملك تستحق الجهد الذي تبذله فيها؟
إن كان الجواب (لا) فخذها نصيحة وأغلق حساباتك فيها..
وإن كان الجواب (نعم) فاصنع لنفسك "خطة عمل" و "بروتوكلات تعامل" تعفيك من البذاءة والسطحية وإضاعة الوقت..
أما إن كنت حائراً بين (لا) و (نعم) فخذ مؤقتاً إجازة من الفيسبوك، وأعقد هدنة من تويتر واخرج لمقابلة أصدقائك الحقيقيين...
منقول عن جريدة الرياض السعودية
عشرة أسباب لهجر تويتر والفيسبوك
فهد عامر الأحمدي
هل حان الوقت لمغادرة الفيسبوك وعقد هدنة مع تويتر؟
هذا هو السؤال الذي طرحته كعنوان رئيسي في مقال نشر قبل ايام قليلة .. فبعد فترة طويلة من استخدامهما هل آن الأوان لأخذ استراحة منهما وحساب نتائج استمرارك فيهما؟
فإن لم تكن إعلاميا أو صاحب انتاج أدبي أو حتى صاحب مؤسسة ترغب بالترويج لمنتجاتك فلن تجني من بقائك فيهما أكثر من الغيبة والنميمة وإضاعة الوقت والخوض في اللغو والشائعات!!
لا يمكنني طبعا إصدار حكم جازم أو مطلق أو أدعي جدية هذا الطلب ممن يستفيدون منهما فعلا ولكن بالنسبة لعامة الناس يمكنني تقديم أكثر من عشرة أسباب تكفي لهجر تويتر ومقاطعة الفيسبوك (أو على الأقل تخفيض نسبة دخولهما):
* فالسبب الأول أنهما ببساطة "مضيعة للوقت" يستقطعان من عمرك وجهدك دون مردود حقيقي او ايجابي.. والأسوأ من هذا احتمال إدمانك عليهما فتصبح مشغولا بمتابعتهما حتى أثناء وجودك بين أقربائك وأفراد عائلتك!!
* والثاني: أنهما لايستقطعان من وقتك فقط؛ بل ومن فرصة استفادتك من الانترنت وكمبيوترك الشخصي لانجاز أعمالك وتطوير ذاتك ورفع مستوى ثقافتك .. وكثيرا ما أقول لأطفالي: لو أنني (حين أجلس للكمبيوتر) أفتح اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي لما كتبت مقالا في اليوم!
* والثالث: أنهما يبرزان الوجه السيئ والشرير للناس بسبب ميزة التخفي خلفهما.. فمستوى البذاءة والشتائم والسطحية التي نلمسها في هذين الموقعين لم تكن لتظهر لو تقابل الناس وجها لوجه حيث تسود اللباقة في التعامل والمجاملة في الكلام...
* والرابع: أن اشتراكك فيهما يعني مشاركتك في محتواهما.. ومشاركتك في محتواهما يعني قبولك طواعية التخلي عن أسرارك الشخصية وبياناتك الفردية.. ولأنها تظل في عالم النت الى الأبد، لا تضمن ارتدادها عليك مستقبلا بشكل سيئ!!
* والخامس: ان اشتراكك فيهما يعني إضافتك لمحتواهما السلبي أو خوضك في اللغو والشائعات وأعراض الناس.. وفي أحسن الحالات لن تسلم من إعادة نشر ما يختلقه ويفبركه الآخرون (وكنا نخوض مع الخائضين)...
* والسادس: أن معظم من تعتقد أنهم أصدقاؤك على النت هم في الحقيقة أشخاص لا تعرفهم فعلا.. أشخاص أما يحبونك ولكنك للأسف لا تراهم ولا تستطيع الالتقاء بهم، أو يكرهونك ويعادونك من وراء حجاب .. فلماذا تحمل همهم أصلا!!
* والسابع: أن طبيعتنا المحافظة (التي ساهمت بتخفي ملايين السعوديين خلف تويتر والفيسبوك) هي ما يدفعك لنشر أفكارك وآرائك من خلال هذين الموقعين.. ولكن لاحظ أن نشرها أمام العامة وبهذه الطريقة غير المنضبطة قد يعرضك لمشكلة غير متوقعة (بسبب مشاركتك برأي جريء أو تصريح مشين أو حتى تسريب آراء ووثائق تخص الآخرين...)
* والثامن: أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست بريئة أو مسالمة كما تتصور.. فهي تستغل بيانات المستخدمين وتبيعها لجهات تجارية أخرى (فالفيسبوك وتويتر يملكان حاليا معلومات عن مواطني العالم تفوق ما تملكه مخابرات العالم مجتمعه)!!
* والتاسع: أن العيش بسعادة يقتضي التقليل من عوامل القلق والهم والانشغال الدائم.. وهذه العناصر بالذات تقدمها لك يوميا مواقع التواصل الاجتماعي (وليسأل كل منكم نفسه: هل ارتفع أم انخفض مستوى قلقي منذ تعرفت عليها؟)...
* أما السبب العاشر والأخير: فهو أن الفيسبوك وتويتر وانستجرام والواتساب وجوجل بلس وبرامج الكيك جميعها (كما قال أحد المشايخ) صناديق مغلقة إن لم تفتح في الدنيا، ستفتح في الآخرة وتلقاها كتاباً منشوراً!!
ان لم تقنعك كل هذه الأسباب فحاول على الأقل خفض نسبة دخولك إليها من جهة ورفع نسبة تقيدك ببروتوكول التعامل الذي شرحته في المقال السابق من جهة أخرى.. أما إن اعتقدت أنها غير صحيحة (بالكامل) فهذا مؤشر على وصولك لحالة إدمان الكتروني، وتطرف افتراضي، وانعزال عن العالم الواقعي... وليخبرنا المدمن بتجربته...
منقول عن جريدة الرياض السعودية
معالجة الخوف عند الأطفال
الخوف مادام في حدوده الطبيعية فهو يعتبر
مرحلة مهمة من مراحل نمو الطفل ومظهرا من مظاهر الحفاظ على البقاء، وقد
يستمر الخوف حتى الطفولة المتأخرة مع اختلاف المسببات..
وقد يخطئ الآباء بالاعتقاد بأن الحل الامثل للتخلص من هذا الخوف هو بإبعاد الطفل عن مسببات الخوف وعدم مواجهتها، لحرصهم الشديد على اطفالهم، فيكونون سببا في غرس الخوف في نفوسهم وسببا في عزلتهم وعدم ثقتهم بمن حولهم.
كما يخطئ الآباء في انتهاجهم طرقا تربوية تعزز الخوف السلبي، كأن يلجأون الى العقاب بالحبس او الابقاء في غرفة مظلمة، او تهديده برميه في الشارع، او تخويفه بالحرامي الذي سيأتي ليأخذه من غرفته، وعندما يسمع الطفل هذا الكلام يرسم صورا كثيرة بخياله الجامح وعندما تتضخم هذه الصور في رأسه، تصبح مخيفة جدا، فيسقطها على كل موقف، وتتهيأ له خيالات سوداوية يرتعب لها، ويشك بكل من حوله، وتتحول قوته التي كان يستمدها من اهله، وامانه الذي كان يستمده من المنزل، الى خوف وقلق وعدم امان، ويتحول الظلام الذي يملأ الغرفة قبل النوم الى مسرح للخيالات والافكار، يتخيل فيه العفاريت والكلاب والشياطين واللصوص، ويزيد الطين بلة حين يكون من افراد العائلة من يمارس عملية التخويف من الظلام بطريقة المداعبة السمجة او بطريقة سرد القصص الخرافية المفزعة، وما أن ينام الطفل حتى تظهر في احلامه نتيجة بقائها في لا وعيه.
دور الآباء هنا مهم ويبتدئ بالحديث الودي الهادئ، ومناقشة الطفل في اسباب خوفه، ومحاولة الاصغاء الطويل الى ما يقوله للتخفيف عنه، ولإشعاره بأن من حوله يعرفون ما هي مخاوفه، ولزيادة ثقته بنفسه ورفع روحه المعنوية، ثم يأتي دور التقليل من شأن تلك المخاوف، ومحاولة تحجيمها، بإظهار قوة الابوين وقدرتهما على المحافظة عليه وحمايته، ليستمد من قوتهما قوة، ومن ثقتهما في نفسيهما ثقة.. وعلى دروب الخير نلتقي...
منقول عن جريدة الرياض السعودية
وقد يخطئ الآباء بالاعتقاد بأن الحل الامثل للتخلص من هذا الخوف هو بإبعاد الطفل عن مسببات الخوف وعدم مواجهتها، لحرصهم الشديد على اطفالهم، فيكونون سببا في غرس الخوف في نفوسهم وسببا في عزلتهم وعدم ثقتهم بمن حولهم.
كما يخطئ الآباء في انتهاجهم طرقا تربوية تعزز الخوف السلبي، كأن يلجأون الى العقاب بالحبس او الابقاء في غرفة مظلمة، او تهديده برميه في الشارع، او تخويفه بالحرامي الذي سيأتي ليأخذه من غرفته، وعندما يسمع الطفل هذا الكلام يرسم صورا كثيرة بخياله الجامح وعندما تتضخم هذه الصور في رأسه، تصبح مخيفة جدا، فيسقطها على كل موقف، وتتهيأ له خيالات سوداوية يرتعب لها، ويشك بكل من حوله، وتتحول قوته التي كان يستمدها من اهله، وامانه الذي كان يستمده من المنزل، الى خوف وقلق وعدم امان، ويتحول الظلام الذي يملأ الغرفة قبل النوم الى مسرح للخيالات والافكار، يتخيل فيه العفاريت والكلاب والشياطين واللصوص، ويزيد الطين بلة حين يكون من افراد العائلة من يمارس عملية التخويف من الظلام بطريقة المداعبة السمجة او بطريقة سرد القصص الخرافية المفزعة، وما أن ينام الطفل حتى تظهر في احلامه نتيجة بقائها في لا وعيه.
دور الآباء هنا مهم ويبتدئ بالحديث الودي الهادئ، ومناقشة الطفل في اسباب خوفه، ومحاولة الاصغاء الطويل الى ما يقوله للتخفيف عنه، ولإشعاره بأن من حوله يعرفون ما هي مخاوفه، ولزيادة ثقته بنفسه ورفع روحه المعنوية، ثم يأتي دور التقليل من شأن تلك المخاوف، ومحاولة تحجيمها، بإظهار قوة الابوين وقدرتهما على المحافظة عليه وحمايته، ليستمد من قوتهما قوة، ومن ثقتهما في نفسيهما ثقة.. وعلى دروب الخير نلتقي...
منقول عن جريدة الرياض السعودية
فَجّرتها (شوجي)!
في أبريل (نيسان) الماضي، كتبت أن شاكر علي،
الشاب السعودي المبتعث، كان أبرز إيقونة نجاح في مؤتمر المبتعثين
السعوديين في أميركا، الذي أقيم حينها في شيكاغو، أمام مئات الحضور الذين
يعرفون ما قدمه لهم من خدمات جليلة، من خلال موقع (سعوديون في أميركا)،
بإعلانه والدموع تهطل من عينيه، أنه مجهول الأبوين!
وفي ما يشبه التفجير المعنوي، أعلنت قبل أيام الفنانة الكويتية المشهورة أشجان، الشهيرة بلقبها (شوجي)، على حسابها في إنستغرام والدموع تملأ المآقي قبل أن تسيل على خدودها، اعترافاً بأنها مجهولة الأبوين، معتبرة جمهورها هدية الله لها.
لا يمكن أن يُحاسبَ أحدٌ بجريرة غيره، وإلا لكان هذا محضُ الظلم، وعينُ الافتراء. وما جعل شاكر، وشوجي، والآلاف غيرهما، يستترون دون أن يعلنوا أنهم مجهولو الأبوين، هو التمييز الذي نمارسه في مجتمعاتنا ضدهم، رغم أننا نزعم أننا مجتمعات متدينة، لا تأخذ أحدا بخطأ غيره، ونقرأ في صلواتنا، ويتردد كل يوم على مسامعنا قول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)!
إن التمييز لا يقف عند حالات، مثل كون شاكر تقدم لخطبة 25 فتاة للزواج فرددنه، لا لسبب، إلا لأنه مجهول الأبوين. وما يحدث لشاكر يحدث للآلاف غيره، بل يمتد إلى حد التسمية المجحفة، التي تحمل في طياتها امتهاناً لمجهول الأبوين، عندما يوصف بأنه (لقيط)!
إن مأساة مجهولي الأبوين، هي شكل من أشكال ازدواجية مجتمعاتنا، التي تتغنى بالفضيلة، وتمارس غيرها، وتتفاخر بالمُثل، وتعاقر ضدها.
بآخر السطر، يحمد لشاكر و شوجي، فضيلة الاعتراف، وبالتأكيد، جرّأهما عليه، وجود بقية فضلاءَ بيننا، ولكن... حذار من استخدام الاعترافات ضد أصحابها في لحظات ضعفنا، أفراداً... ومجتمعات!
منقول عن جريدة الرياض السعودية
منقول عن جريدة الرياض السعودية
وفي ما يشبه التفجير المعنوي، أعلنت قبل أيام الفنانة الكويتية المشهورة أشجان، الشهيرة بلقبها (شوجي)، على حسابها في إنستغرام والدموع تملأ المآقي قبل أن تسيل على خدودها، اعترافاً بأنها مجهولة الأبوين، معتبرة جمهورها هدية الله لها.
لا يمكن أن يُحاسبَ أحدٌ بجريرة غيره، وإلا لكان هذا محضُ الظلم، وعينُ الافتراء. وما جعل شاكر، وشوجي، والآلاف غيرهما، يستترون دون أن يعلنوا أنهم مجهولو الأبوين، هو التمييز الذي نمارسه في مجتمعاتنا ضدهم، رغم أننا نزعم أننا مجتمعات متدينة، لا تأخذ أحدا بخطأ غيره، ونقرأ في صلواتنا، ويتردد كل يوم على مسامعنا قول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)!
إن التمييز لا يقف عند حالات، مثل كون شاكر تقدم لخطبة 25 فتاة للزواج فرددنه، لا لسبب، إلا لأنه مجهول الأبوين. وما يحدث لشاكر يحدث للآلاف غيره، بل يمتد إلى حد التسمية المجحفة، التي تحمل في طياتها امتهاناً لمجهول الأبوين، عندما يوصف بأنه (لقيط)!
إن مأساة مجهولي الأبوين، هي شكل من أشكال ازدواجية مجتمعاتنا، التي تتغنى بالفضيلة، وتمارس غيرها، وتتفاخر بالمُثل، وتعاقر ضدها.
بآخر السطر، يحمد لشاكر و شوجي، فضيلة الاعتراف، وبالتأكيد، جرّأهما عليه، وجود بقية فضلاءَ بيننا، ولكن... حذار من استخدام الاعترافات ضد أصحابها في لحظات ضعفنا، أفراداً... ومجتمعات!
منقول عن جريدة الرياض السعودية
غثاء السيل
قبل 100 عام نصح البريطانيون الحكومة
الصينية بالحد من تناسل شعبها للتخفيف من الفقر ورفع مستوى المعيشة
والدخل.. غير أن الصين كانت في ذلك الوقت تشك في كل ماهو غربي (خصوصاً
بريطانيا التي كانت تستعمر حينها الهند وهونغ كونغ) فاعتبرتها مؤامرة
لإضعاف البلاد و"مجزرة بلا دماء" لإبادة الشعب الصيني.
غير أن الأيام أثبتت عقلانية هذه النصيحة حيث ارتفع سكان الصين من 439 مليون نسمة (في عام 1910) الى 1344 مليون نسمة هذه الأيام.. ولم تدرك الصين قيمة هذه النصيحة إلا بعد فوات الأوان وتكرار المجاعات والأوبئة وارتفاع نسبة الجهل والتخلف ووفيات الأطفال (بحيث أصبحوا الرقم الأضخم في أي كارثة عالمية)!
لم تكن المشكلة فقط في أرقام الضحايا الهائل، بل في عدم قدرة حكومة بكين على رفع مستوى (ألف مليون انسان) بقوا على قيد الحياة تحت خط الفقر ووطأة التخلف.. ولأنه لم يكن لديها الوقت لانتظار توقف الشعب طواعية عن التناسل (كما حدث في جميع الدول المتحضرة) اضطرت الى إصدار قانونها الشهير باكتفاء كل أسرة بطفل واحد فقط.
وبهذه الطريقة فقط أمكن لعجلة التنمية اللحاق بعجلة الإنجاب ووجدت العائلة الصينية الفرصة لتربية طفلها الوحيد.
واليوم لا يعود تفوق الصين الى عددها الكبير كما يعتقد البعض بل إلى ارتفاع المستوى النوعي للمواطن الصيني.. فالهند أيضاً عددها كبير - وبنجلاديش وإندونيسيا تتفوق عليها بنسبة السكان الى حجم الموارد - ولكن المواطن الصيني يتفوق على الجميع بمستوى المهارة والتعليم والدخل والرعاية الصحية ومساهمته في الناتج القومي للبلاد.
وما يؤكد هذه الحقيقة أن عدد السكان ذاته ثبت تقريباً منذ العهد الماركسي، في حين حققت قفزتها الصناعية والاقتصادية الأخيرة بالتوازي من تناقص عدد السكان فيها!!
وكانت اليابان وروسيا والمانيا وايطاليا وأسبانيا قد مرت قبلها بنفس الحالة - والفرق الوحيد أنها حققت قفزتها الصناعية والحضارية بعد ثبات السكان فيها طواعية (وأقول طواعية لأنه كلما ارتفع مستوى الدخل وتحضر الشعب وتعليم الأم، كلما خفت نسبة الإنجاب وارتفعت معدل الأعمار)!
وقد يقول قائل ولكن جميع هذه الدول التي تتحدث عنها ضخمة أيضا في عدد سكانها.
وهذا صحيح ويؤكد أن المشكلة ليست في "الضخامة" بل في التضخم السريع (بشكل يسبق معدل التنمية).. فدول مثل الهند ونيجيريا وكمبوديا وبنغلاديش ومصر أيضا ضخمة وكبيرة ولكن نسبة الإنجاب فيها تسبق عجلة التنمية وتطغى على كل محاولة للنمو والازدهار والتطور!!
الحقيقة هي أن التفوق النوعي وليس العددي هو الذي سمح للبريطانيين في الماضي بالسيطرة على الهند (رغم الفرق الشاسع بين عدد الشعبين) ويسمح لستة ملايين إسرائيلي اليوم بالتفوق على 340 مليون عربي.. وحين تتأمل عالم اليوم تكتشف أن دولاً قليلة بعدد سكانها كسويسرا والسويد وسنغافورة وتايوان تتمتع بصناعات متقدمة واقتصاديات ضخمة ودخل مرتفع لم تنجح في تحقيقه دول تموج بالبشر مثل الدول العربية والأفريقية..
قال قائل: أمِن قلة نحن يومئذ يارسول الله؟
قال: "بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
منقول عن جريدة الرياض السعودية
غير أن الأيام أثبتت عقلانية هذه النصيحة حيث ارتفع سكان الصين من 439 مليون نسمة (في عام 1910) الى 1344 مليون نسمة هذه الأيام.. ولم تدرك الصين قيمة هذه النصيحة إلا بعد فوات الأوان وتكرار المجاعات والأوبئة وارتفاع نسبة الجهل والتخلف ووفيات الأطفال (بحيث أصبحوا الرقم الأضخم في أي كارثة عالمية)!
لم تكن المشكلة فقط في أرقام الضحايا الهائل، بل في عدم قدرة حكومة بكين على رفع مستوى (ألف مليون انسان) بقوا على قيد الحياة تحت خط الفقر ووطأة التخلف.. ولأنه لم يكن لديها الوقت لانتظار توقف الشعب طواعية عن التناسل (كما حدث في جميع الدول المتحضرة) اضطرت الى إصدار قانونها الشهير باكتفاء كل أسرة بطفل واحد فقط.
وبهذه الطريقة فقط أمكن لعجلة التنمية اللحاق بعجلة الإنجاب ووجدت العائلة الصينية الفرصة لتربية طفلها الوحيد.
واليوم لا يعود تفوق الصين الى عددها الكبير كما يعتقد البعض بل إلى ارتفاع المستوى النوعي للمواطن الصيني.. فالهند أيضاً عددها كبير - وبنجلاديش وإندونيسيا تتفوق عليها بنسبة السكان الى حجم الموارد - ولكن المواطن الصيني يتفوق على الجميع بمستوى المهارة والتعليم والدخل والرعاية الصحية ومساهمته في الناتج القومي للبلاد.
وما يؤكد هذه الحقيقة أن عدد السكان ذاته ثبت تقريباً منذ العهد الماركسي، في حين حققت قفزتها الصناعية والاقتصادية الأخيرة بالتوازي من تناقص عدد السكان فيها!!
وكانت اليابان وروسيا والمانيا وايطاليا وأسبانيا قد مرت قبلها بنفس الحالة - والفرق الوحيد أنها حققت قفزتها الصناعية والحضارية بعد ثبات السكان فيها طواعية (وأقول طواعية لأنه كلما ارتفع مستوى الدخل وتحضر الشعب وتعليم الأم، كلما خفت نسبة الإنجاب وارتفعت معدل الأعمار)!
وقد يقول قائل ولكن جميع هذه الدول التي تتحدث عنها ضخمة أيضا في عدد سكانها.
وهذا صحيح ويؤكد أن المشكلة ليست في "الضخامة" بل في التضخم السريع (بشكل يسبق معدل التنمية).. فدول مثل الهند ونيجيريا وكمبوديا وبنغلاديش ومصر أيضا ضخمة وكبيرة ولكن نسبة الإنجاب فيها تسبق عجلة التنمية وتطغى على كل محاولة للنمو والازدهار والتطور!!
الحقيقة هي أن التفوق النوعي وليس العددي هو الذي سمح للبريطانيين في الماضي بالسيطرة على الهند (رغم الفرق الشاسع بين عدد الشعبين) ويسمح لستة ملايين إسرائيلي اليوم بالتفوق على 340 مليون عربي.. وحين تتأمل عالم اليوم تكتشف أن دولاً قليلة بعدد سكانها كسويسرا والسويد وسنغافورة وتايوان تتمتع بصناعات متقدمة واقتصاديات ضخمة ودخل مرتفع لم تنجح في تحقيقه دول تموج بالبشر مثل الدول العربية والأفريقية..
قال قائل: أمِن قلة نحن يومئذ يارسول الله؟
قال: "بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
منقول عن جريدة الرياض السعودية
متلازمة القنبلة المقدسة
( متلازمة ) مصطلح طبي تقابله في اللغة
الانجليزية كلمة سندروم (Syndrome) . وهي مجموعة أعراض جسدية أو نفسية تأتي
كحزمة مترافقة تشير إلى وجود عاهة أو إصابة معينة .. فالطفل المنغولي أو
المتوحد مثلا يولد بمجموعة أعراض تفيد بإصابته بهذا الخلل .. وكثيرا منها
يسمى بحسب الطبيب الذي اكتشفها لأول مرة بحيث قد تسمع مثلا عن سندروم وليم
وسندروم بارتر وسندروم جوليان بيري ... !
وبما إنني من سكان المدينة المنورة سأخبركم بسندروم جديد أطلق عليه متلازمة القنبلة المقدسة (وهي متلازمة قابلة للإنفجار لا تجدها في المراجع الطبية) .. فبما إننا نستقبل كل عام أكثر من أربعة ملايين زائر وحاج نكتشف بين الحين والآخر "مجانين" و مرضى متطرفين يأتون للحرم مدفوعين بأفكار دينية غريبة .. وآخر زائر رأيته من هذه النوعية تم إخراجه بالقوة من داخل الحرم (لا أعلم لماذا بالضبط) ولكنه كان يشتم المارة ويصف رجال الشرطة بالكفر والزندقة لأنهم يلبسون "البسطار" فوق رخام الحرم ..
وأذكر في طفولتي رجلا في الروضة الشريفة كان ملتحفا عباءة كبيرة وملتصقا بالحديد المحيط بقبر الرسول بطريقة غريبة .. وحين شك في تصرفه أحد رجال الشرطة أقترب منه ورفع عباءته فوجده يحمل مبردا صغيرا يحاول بواسطته (نحت) شيئا من حديد القبر وجمع "البرادة" في منديل أبيض ..
مثل هذه الشخصيات المعتوهة نسمع عنها أيضا في مكة المكرمة داخل الحرم أو الساحات المحيطة به .. فكم مرة مثلا سمعنا أو قرأنا عن تصرفات أو اعتداءات مجنونة يتعرض لها رجال الشرطة أو زوار الحرم بدافع التكفير أو اتهام الآخر بالزندقة ومخالفة الشرع !!
... كما يحدث هذا أيضا وربما أكثر في مدينة القدس التي تشترك بها الديانات السماوية الثلاثة .. وما يبدو لي أن الإسرائيليين أكثر منا خبره في هذا المجال كونهم بنوا مستشفى خاص بمجانين الدين وصرعى الأساطير .. وهذا المستشفى النفسي يستقبل زوارا من مختلف الجنسيات والديانات أتوا للقدس مدفوعين بأساطير دينية مجنونة قد تتضمن ارتكاب مجازر حقيقة ضد غيرهم .. ليس هذا فحسب ؛ بل تملك الشرطة الاسرائيلية فرقة خاصة مهمتها الحيلولة دون انتحار أعضاء الجماعات المتطرفة التي يرغب أفرادها في الانتقال للآخرة عبر بوابة القدس !!
وتشكل نهاية كل عام موسم إستنفار حقيقي حيث تستقبل القدس أعددا كبيرة من المؤمنين بقيام الساعة أو خراب العالم أو نزول المسيح في عودته الثانية للأرض .. وبلغ الأمر ذروته بنهاية الألفية الثانية (عام 2000 ) حين حضر إلى القدس آلاف المسيحيين المتطرفين لهذا السبب خصوصا فيما يتعلق بنزول المسيح وهداية اليهود وغزو العالم يدا بيد ..
أما بالنسبة لليهود أنفسهم فلا ننسى أن مجرد تجمعهم في فلسطين بمثابة تطبيق لمتلازمة أساطير كثيرة مثل العودة لأرض الميعاد وبناء هيكل داود وتطهير أرض كنعان واستقبال المسيح الحقيقي (وليس المزيف الذي يؤمن به مسيحيو اليوم) .. وأذكر أنني كتبت مقالا كاملا عن أسطورة البقرة الحمراء التي ينتظرون ظهورها حول القدس كإشارة لقرب ولادة المسيح الحقيقي حيث سيغسلون خطاياهم بدمها قبل البدء بسفك دماء الكافرين في المعركة الفاصلة قبل نهاية الزمان!
... كل هذا يثبت أن التطرف بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته يمكن أن يتحول الى سندروم نفسي وجنون حقيقي يحول صاحبه إلى قنبلة مقدسة قابلة للانفجار في أي وقت .. وحين يقرر أحدهم إشعال الفتيل يكون قد صدق أنه أداة الله على الأرض ويتحول الى "باروخ جولدشتاين" يمكن مشاهدته في كل ملة ودين (... باروخ جولدشتاين ؛ الطبيب الذي سمع صوت الله في رأسه يأمره بتطهير الحرم الإبراهيمي من المصلين الفلسطينيين) !!
وبما إنني من سكان المدينة المنورة سأخبركم بسندروم جديد أطلق عليه متلازمة القنبلة المقدسة (وهي متلازمة قابلة للإنفجار لا تجدها في المراجع الطبية) .. فبما إننا نستقبل كل عام أكثر من أربعة ملايين زائر وحاج نكتشف بين الحين والآخر "مجانين" و مرضى متطرفين يأتون للحرم مدفوعين بأفكار دينية غريبة .. وآخر زائر رأيته من هذه النوعية تم إخراجه بالقوة من داخل الحرم (لا أعلم لماذا بالضبط) ولكنه كان يشتم المارة ويصف رجال الشرطة بالكفر والزندقة لأنهم يلبسون "البسطار" فوق رخام الحرم ..
وأذكر في طفولتي رجلا في الروضة الشريفة كان ملتحفا عباءة كبيرة وملتصقا بالحديد المحيط بقبر الرسول بطريقة غريبة .. وحين شك في تصرفه أحد رجال الشرطة أقترب منه ورفع عباءته فوجده يحمل مبردا صغيرا يحاول بواسطته (نحت) شيئا من حديد القبر وجمع "البرادة" في منديل أبيض ..
مثل هذه الشخصيات المعتوهة نسمع عنها أيضا في مكة المكرمة داخل الحرم أو الساحات المحيطة به .. فكم مرة مثلا سمعنا أو قرأنا عن تصرفات أو اعتداءات مجنونة يتعرض لها رجال الشرطة أو زوار الحرم بدافع التكفير أو اتهام الآخر بالزندقة ومخالفة الشرع !!
... كما يحدث هذا أيضا وربما أكثر في مدينة القدس التي تشترك بها الديانات السماوية الثلاثة .. وما يبدو لي أن الإسرائيليين أكثر منا خبره في هذا المجال كونهم بنوا مستشفى خاص بمجانين الدين وصرعى الأساطير .. وهذا المستشفى النفسي يستقبل زوارا من مختلف الجنسيات والديانات أتوا للقدس مدفوعين بأساطير دينية مجنونة قد تتضمن ارتكاب مجازر حقيقة ضد غيرهم .. ليس هذا فحسب ؛ بل تملك الشرطة الاسرائيلية فرقة خاصة مهمتها الحيلولة دون انتحار أعضاء الجماعات المتطرفة التي يرغب أفرادها في الانتقال للآخرة عبر بوابة القدس !!
وتشكل نهاية كل عام موسم إستنفار حقيقي حيث تستقبل القدس أعددا كبيرة من المؤمنين بقيام الساعة أو خراب العالم أو نزول المسيح في عودته الثانية للأرض .. وبلغ الأمر ذروته بنهاية الألفية الثانية (عام 2000 ) حين حضر إلى القدس آلاف المسيحيين المتطرفين لهذا السبب خصوصا فيما يتعلق بنزول المسيح وهداية اليهود وغزو العالم يدا بيد ..
أما بالنسبة لليهود أنفسهم فلا ننسى أن مجرد تجمعهم في فلسطين بمثابة تطبيق لمتلازمة أساطير كثيرة مثل العودة لأرض الميعاد وبناء هيكل داود وتطهير أرض كنعان واستقبال المسيح الحقيقي (وليس المزيف الذي يؤمن به مسيحيو اليوم) .. وأذكر أنني كتبت مقالا كاملا عن أسطورة البقرة الحمراء التي ينتظرون ظهورها حول القدس كإشارة لقرب ولادة المسيح الحقيقي حيث سيغسلون خطاياهم بدمها قبل البدء بسفك دماء الكافرين في المعركة الفاصلة قبل نهاية الزمان!
... كل هذا يثبت أن التطرف بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته يمكن أن يتحول الى سندروم نفسي وجنون حقيقي يحول صاحبه إلى قنبلة مقدسة قابلة للانفجار في أي وقت .. وحين يقرر أحدهم إشعال الفتيل يكون قد صدق أنه أداة الله على الأرض ويتحول الى "باروخ جولدشتاين" يمكن مشاهدته في كل ملة ودين (... باروخ جولدشتاين ؛ الطبيب الذي سمع صوت الله في رأسه يأمره بتطهير الحرم الإبراهيمي من المصلين الفلسطينيين) !!
رسالة إلى ابن المقفع
ابن المقفع أديب عربي من أصول فارسية تعلم
العربية في البصرة وامتلك ناصيتها بلاغة وأدباً. اشتهر بترجمة كتاب كليلة
ودمنة من الفارسية إلى العربية - ووضعه على لسان الحيوانات ليكون متعة
للعوام وعبرة للخواص. ورغم تنكيل الحجاج به، ورغم أنه عانى من انتقال الحكم
بين الأمويين والعباسيين - وقتل في النهاية بأمر المنصور - إلاّ أنه كان
شديد الحب للعرب كثير الإعجاب بلغتهم وآدابهم وعاداتهم. وبسبب انتمائه إلى
ثقافتين مختلفتين - وعيشه في فترة اضطراب سياسي - كان كثير المقارنة بين
الثقافات العربية والفارسية والهندية واليونانية.. ومن النماذج التي علقت
بذهني تساؤله عن أعقل الأمم في الدنيا وأكثرها ذكاء على وجه الأرض حيث قال:
من أعقل الأمم في الدنيا؟
هل هم الفرس؟ كلا؛ فهم قوم علموا فتعلموا ومثل لهم فامتثلوا ليس لهم استنباط ولا استخراج.. هل هم الروم؟ كلا؛ فهم أصحاب أبدان وثيقة وبناء وهندسة لا يعرفون سواهما.. أما الصين فأصحاب أثاث وصنعة لا أصحاب فكر وروية، والترك سباع للهراش تسبق أفعالهم عقولهم، والهنود أصحاب شعوذة وحيلة ليس لهم في العلم وسيلة (...).
أعقل الأمم هم العرب؛ إذ لم يكن لهم تؤمة ولا كتاب يدلهم أهل بلد قفر ووحشة في الأنس لجأ كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله وعلموا ان معاشهم من الأرض فوسموا كل شيء بسمته وأوقاته وزمانه (...) ثم علموا ان شربهم من السماء فوضعوا لذلك الأنواء واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض فجعلوا النجوم أدلة على أطراف الأرض (...) ثم جعلوا بينهم شيئاً ينهاهم عن المنكر ويرغبهم في الجميل ويحضهم على المكارم (...) ليس لهم كلام إلاّ الحث على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد (...) وكل هذا يصيبونه بعقولهم ويستخرجونه بفطنتهم وفطرتهم. لا يتأدبون لأن لهم طباعاً مؤدبة، ولا يتعلمون لأن لهم عقولاً مدركة، لذلك أقول - ولا يزال الكلام لابن المقفع - ان العرب أعقل الأمم لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم.. (انتهى).
وتعليقاً على هذا الكلام أقول لابن المقفع:
رحمك الله يا هذا؛ فبعد ألف ومائتي عام لم يعد في العرب شيء مما ذكرت؛ فقد تركوا الصحراء وعاشوا حياة ترف وتخمة. لم تعد حياتهم تسمح بالتأمل والتدبر لفرط انشغالهم بلقمة العيش (نهاراً) وستار أكاديمي (مساء). لم يعد لهم فكر سديد ولا عقل مجيد ولا صنعة تغنيهم عن بقية الأمم. أما تناهيهم عن المنكر وحضهم على المكارم فتحول من فطرة وواقع إلى ديكور ومظاهر تحكمها المصالح وتتقاذفها الأهواء.. تحولت جرأتهم إلى تخاذل وعزتهم إلى تواكل ونخوتهم إلى تكاسل وتجاهل.. ثم عن أي عرب تتحدث أيها المخدوع؛ فقد أصبحنا دولاً عديدة وفرقاً بديدة وتحولنا - رغم كثرتنا - إلى غثاء كغثاء السيل!!
.. أيضاً جانبك الصواب بخصوص ما ذكرته عن الفرس والروم والصين والهند؛ فالفرس أصبحوا أصحاب مواقف (وبرامج نووية)؛ والروم توحدت في "أوروبا عملاقة" تقود العالم في العلم والتقنية، أما الصين فأصبحت "ورشة العالم" وتحقق أعلى نمو اقتصادي بين الجميع، أما الهنود فتركوا الشعوذة والحيلة وأصبحوا أرباب معرفة و"برمجة".
رحمك الله يا أبا محمد؛ أعماك حب العرب عن شر قد اقترب!!
من أعقل الأمم في الدنيا؟
هل هم الفرس؟ كلا؛ فهم قوم علموا فتعلموا ومثل لهم فامتثلوا ليس لهم استنباط ولا استخراج.. هل هم الروم؟ كلا؛ فهم أصحاب أبدان وثيقة وبناء وهندسة لا يعرفون سواهما.. أما الصين فأصحاب أثاث وصنعة لا أصحاب فكر وروية، والترك سباع للهراش تسبق أفعالهم عقولهم، والهنود أصحاب شعوذة وحيلة ليس لهم في العلم وسيلة (...).
أعقل الأمم هم العرب؛ إذ لم يكن لهم تؤمة ولا كتاب يدلهم أهل بلد قفر ووحشة في الأنس لجأ كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله وعلموا ان معاشهم من الأرض فوسموا كل شيء بسمته وأوقاته وزمانه (...) ثم علموا ان شربهم من السماء فوضعوا لذلك الأنواء واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض فجعلوا النجوم أدلة على أطراف الأرض (...) ثم جعلوا بينهم شيئاً ينهاهم عن المنكر ويرغبهم في الجميل ويحضهم على المكارم (...) ليس لهم كلام إلاّ الحث على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد (...) وكل هذا يصيبونه بعقولهم ويستخرجونه بفطنتهم وفطرتهم. لا يتأدبون لأن لهم طباعاً مؤدبة، ولا يتعلمون لأن لهم عقولاً مدركة، لذلك أقول - ولا يزال الكلام لابن المقفع - ان العرب أعقل الأمم لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم.. (انتهى).
وتعليقاً على هذا الكلام أقول لابن المقفع:
رحمك الله يا هذا؛ فبعد ألف ومائتي عام لم يعد في العرب شيء مما ذكرت؛ فقد تركوا الصحراء وعاشوا حياة ترف وتخمة. لم تعد حياتهم تسمح بالتأمل والتدبر لفرط انشغالهم بلقمة العيش (نهاراً) وستار أكاديمي (مساء). لم يعد لهم فكر سديد ولا عقل مجيد ولا صنعة تغنيهم عن بقية الأمم. أما تناهيهم عن المنكر وحضهم على المكارم فتحول من فطرة وواقع إلى ديكور ومظاهر تحكمها المصالح وتتقاذفها الأهواء.. تحولت جرأتهم إلى تخاذل وعزتهم إلى تواكل ونخوتهم إلى تكاسل وتجاهل.. ثم عن أي عرب تتحدث أيها المخدوع؛ فقد أصبحنا دولاً عديدة وفرقاً بديدة وتحولنا - رغم كثرتنا - إلى غثاء كغثاء السيل!!
.. أيضاً جانبك الصواب بخصوص ما ذكرته عن الفرس والروم والصين والهند؛ فالفرس أصبحوا أصحاب مواقف (وبرامج نووية)؛ والروم توحدت في "أوروبا عملاقة" تقود العالم في العلم والتقنية، أما الصين فأصبحت "ورشة العالم" وتحقق أعلى نمو اقتصادي بين الجميع، أما الهنود فتركوا الشعوذة والحيلة وأصبحوا أرباب معرفة و"برمجة".
رحمك الله يا أبا محمد؛ أعماك حب العرب عن شر قد اقترب!!
منقول عن جريدة الرياض السعودية
دعاة على أبواب جهنم
كتبتُ هذا المقال بعد الانتقاد الذي وجهه
سماحة المفتي مؤخرا إلى الدعاة الذين يحرّضون الشباب على الجهاد بينما
يمنعون أبناءهم عنه.. ولا أتردد في القول إن كثيرا من العائلات السعودية
كانت تنتظر من سماحته تأكيدا من هذا النوع بعد أن فقدت فلذات أكبادها لهذا
السبب بالذات..
فإحدى قريباتي المسنات مازالت تكره داعية يظهر هذه الأيام في عدة قنوات كونه تسبب بفقدها لاثنين من أبنائها في أفغانستان.. قد تستغرب لو أخبرتك باسمه لأنه هذه الأيام ركب موجة التسامح والاعتدال وأصبح يلبس الكبك والعقال اللذين كان يحرمهما في السابق ولكنه لم يعتذر يوما للعائلات التي خسرت أبناءها في السابق بسببه...
ففي ذلك الوقت كانت خطبه جزءا من صناعة ضخمة عمادها الكاسيتات والكتيبات التي تحرض صغار السن على الخروج بدعوى الجهاد (وكان كتابي المفضل حينها آيات الرحمن في جهاد الأفغان للدكتور عبدالله عزام الذي حُشي بكرامات أسطورية لم نسمع بمثلها حتى مع الصحابة الكرام)..
وبالطبع يتطلب الأمر تجاوزك سن الأربعين لتتذكر كل خطب العنف والتحريض التي كان يصدرها هؤلاء ضد الدولة والمجتمع ومن يعارض فكرة الجهاد في أفغانستان (باستثناء أبنائهم طبعا).. ولأن قريبتي تجاوزت هذه السن لم تشأ أن يمر حفيدها بنفس الغلطة ففعلت هذه الأيام شيئا تمنت لو فعلته مع ابنيها السابقين..
فقبل بضعة أشهر فقط ذهب حفيدها (وهو ابن أحد المتوفين في أفغانستان) الى سورية بدعوى الجهاد. وحين فشلت كل الجهود في إقناعه بالعودة، ذهبت سرا الى الشيخ الذي حرضه على الخروج وهددته برفع أمره الى الدولة إن لم يقنع «الولد» بالعودة .. ويبدو أن تهديدها أتى بنتيجة كون حفيدها عاد فعلا بدعوى أن شيخه المخلص اتصل به وأقنعه بأن أمريكا ستقصف سورية (بعد مجزرة الكيماوي) وبالتالي من الأفضل عودته حتى تهدأ الأمور علما أن اثنين من أبنائه يدرسان في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة!
.. وحالات كهذه تعرفون مثلها كثير وتكررت منذ أيام أفغانستان مرورا بالبوسنة ثم الشيشان ثم العراق ثم سورية حاليا.. وفي كل مرة يموت شبابنا بسبب دعاوى جهاد باطلة لم تستأذن ولي الأمر، ولم تأخذ مصلحة البلاد في الحسبان، ولم تدرك أن ما يجري جزء من حروب عالمية باردة نخوضها عن الآخرين بالوكالة (بدليل أن لا أحد يتحدث عن تحرير القدس أو فلسطين هذه الأيام)!!
.. أما بخصوص ما يجري في الداخل، فمن حقنا التساؤل لماذا لم نسمع طوال الثلاثين عاما الماضية عن داعية مات ابنه في «الجهاد»؟
كيف يطالب أحدهم معتصمي رابعة العدوية بالصمود فيما يتنقل هو حول العالم (لإلقاء محاضرات عن تطوير الذات) ولديه أبناء مبتعثون في أميركا؟
لماذا يحرضون الآخرين على الجهاد في حين يقضون هم إجازاتهم العائلية في أوروبا والخاصة في اندونيسيا والمغرب؟
.. الحقيقة هي أن للجهاد شروطا لا يعلمها كثير من الناس، ولولي الأمر نظرة أكثر عمقا وشمولية تراعي مصلحة البلاد والعباد.. أما أفغانستان والبوسنة والعراق وسورية فلم ينقصها يوما الرجال حتى نبعث إليها بمراهقين لم يحملوا يوما بندقية صيد ناهيك عن كثرة الطوائف المتناحرة باسم الدين داخل المناطق الملتهبة ذاتها!!
.. لا أجد أفضل ما أختم به المقال أفضل من قول حذيفَة بن اليمان: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلت: يا رسول الله إنَّا كنَّا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم.. قلت: وهل بعد ذلك الشر خير؟ قال: نعم، وفيه دَخَنٌ.. قلت: وما دَخَنُه؟ قال: قومٌ يَهدُون بغير هديِي تعرِف منهم وتُنكِر.. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم مَن أجابَهُم إليها قذفُوه فيها، قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: هم من جِلدَتِنا ويتكلَّمون بألسنتنا.. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزِل تلك الفِرَق كلها ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة حتى يُدرِكك الموت وأنت على ذلك (البخاري).
.. وكي لا نعض على الأشجار كمداً، لا تتردوا في إبلاغ وزارة الداخلية عن أي متفيهق يحرض أبناءكم على الانتحار باسم الدين..
فإحدى قريباتي المسنات مازالت تكره داعية يظهر هذه الأيام في عدة قنوات كونه تسبب بفقدها لاثنين من أبنائها في أفغانستان.. قد تستغرب لو أخبرتك باسمه لأنه هذه الأيام ركب موجة التسامح والاعتدال وأصبح يلبس الكبك والعقال اللذين كان يحرمهما في السابق ولكنه لم يعتذر يوما للعائلات التي خسرت أبناءها في السابق بسببه...
ففي ذلك الوقت كانت خطبه جزءا من صناعة ضخمة عمادها الكاسيتات والكتيبات التي تحرض صغار السن على الخروج بدعوى الجهاد (وكان كتابي المفضل حينها آيات الرحمن في جهاد الأفغان للدكتور عبدالله عزام الذي حُشي بكرامات أسطورية لم نسمع بمثلها حتى مع الصحابة الكرام)..
وبالطبع يتطلب الأمر تجاوزك سن الأربعين لتتذكر كل خطب العنف والتحريض التي كان يصدرها هؤلاء ضد الدولة والمجتمع ومن يعارض فكرة الجهاد في أفغانستان (باستثناء أبنائهم طبعا).. ولأن قريبتي تجاوزت هذه السن لم تشأ أن يمر حفيدها بنفس الغلطة ففعلت هذه الأيام شيئا تمنت لو فعلته مع ابنيها السابقين..
فقبل بضعة أشهر فقط ذهب حفيدها (وهو ابن أحد المتوفين في أفغانستان) الى سورية بدعوى الجهاد. وحين فشلت كل الجهود في إقناعه بالعودة، ذهبت سرا الى الشيخ الذي حرضه على الخروج وهددته برفع أمره الى الدولة إن لم يقنع «الولد» بالعودة .. ويبدو أن تهديدها أتى بنتيجة كون حفيدها عاد فعلا بدعوى أن شيخه المخلص اتصل به وأقنعه بأن أمريكا ستقصف سورية (بعد مجزرة الكيماوي) وبالتالي من الأفضل عودته حتى تهدأ الأمور علما أن اثنين من أبنائه يدرسان في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة!
.. وحالات كهذه تعرفون مثلها كثير وتكررت منذ أيام أفغانستان مرورا بالبوسنة ثم الشيشان ثم العراق ثم سورية حاليا.. وفي كل مرة يموت شبابنا بسبب دعاوى جهاد باطلة لم تستأذن ولي الأمر، ولم تأخذ مصلحة البلاد في الحسبان، ولم تدرك أن ما يجري جزء من حروب عالمية باردة نخوضها عن الآخرين بالوكالة (بدليل أن لا أحد يتحدث عن تحرير القدس أو فلسطين هذه الأيام)!!
.. أما بخصوص ما يجري في الداخل، فمن حقنا التساؤل لماذا لم نسمع طوال الثلاثين عاما الماضية عن داعية مات ابنه في «الجهاد»؟
كيف يطالب أحدهم معتصمي رابعة العدوية بالصمود فيما يتنقل هو حول العالم (لإلقاء محاضرات عن تطوير الذات) ولديه أبناء مبتعثون في أميركا؟
لماذا يحرضون الآخرين على الجهاد في حين يقضون هم إجازاتهم العائلية في أوروبا والخاصة في اندونيسيا والمغرب؟
.. الحقيقة هي أن للجهاد شروطا لا يعلمها كثير من الناس، ولولي الأمر نظرة أكثر عمقا وشمولية تراعي مصلحة البلاد والعباد.. أما أفغانستان والبوسنة والعراق وسورية فلم ينقصها يوما الرجال حتى نبعث إليها بمراهقين لم يحملوا يوما بندقية صيد ناهيك عن كثرة الطوائف المتناحرة باسم الدين داخل المناطق الملتهبة ذاتها!!
.. لا أجد أفضل ما أختم به المقال أفضل من قول حذيفَة بن اليمان: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلت: يا رسول الله إنَّا كنَّا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم.. قلت: وهل بعد ذلك الشر خير؟ قال: نعم، وفيه دَخَنٌ.. قلت: وما دَخَنُه؟ قال: قومٌ يَهدُون بغير هديِي تعرِف منهم وتُنكِر.. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم مَن أجابَهُم إليها قذفُوه فيها، قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: هم من جِلدَتِنا ويتكلَّمون بألسنتنا.. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزِل تلك الفِرَق كلها ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة حتى يُدرِكك الموت وأنت على ذلك (البخاري).
.. وكي لا نعض على الأشجار كمداً، لا تتردوا في إبلاغ وزارة الداخلية عن أي متفيهق يحرض أبناءكم على الانتحار باسم الدين..
منقول عن جريدة الرياض السعودية
عقول تحارب عقولاً!
«سي - آي - إيه» «كي - جي - بي» «أم - آي - فايف وسكس» ثم الموساد وغيرها من أجهزة الاستخبارات العالمية، إنها رمز للرعب حيث الجاسوسية تبنى على التجرد من الأخلاق، حتى أن تجنيد جاسوس زرعته دولة ما ينقلب عليها كجاسوس مزدوج كما حدث مع «كيم فلبي» الذي وصل إلى مراكز متقدمة في العمليات السرية البريطانية والذي كان يعمل للسوفييت سجل أكبر خسارة لأقدم جهاز استخبارات علمي بريطاني، ومثله الكثير، وفي حين سمي بطلاً عند السوفييت وضع على لائحة الخونة في بلده الأم..
عالم الجاسوسية اختلط فيه الواقع بالخيال حتى أن الأقلام والنظارات والأحذية والساعات، وقبلها الحمام الزاجل وذاكرة الإنسان جندت كقوى خفية في خدمة الدول والمؤسسات، وكل ما يخدم الطرف المتفوق بهذا النشاط الذي يوضع على قائمة الحماية الوطنية، ودرء الأعداء، وهزيمة الجيوش، لكن مع التطور المتسارع صارت الأقمار الصناعية والغواصات والطائرات التي تحلق لساعات طويلة حول الكرة الأرضية، وأجهزة التصوير والرصد التي تحملها حولت الحروب الجديدة إلى ظاهرة غير مسبوقة في التواريخ البشرية كلها..
هل أصبح الإنسان عارياً تخترق جسمه آلات تصل بدقتها وحساسيتها إلى كل ما يحمله، وهل لم تعد الحيطان السميكة خارج الحماية والاختراق، وأن كل جهاز تحمله بجيبك من مفاتيح السيارة إلى الهاتف، واحتياجات الشخصية عيون تراقبك وتسجل ما تكتب وما تقول، وماذا لو وصل العلم الحديث إلى ما تفكر به ليتم غسل دماغك عن بعد أو تفجيره إذا كنت عبقرية يخشاها طرف مضاد لك ودولتك، وهل نصل في النهاية إلى رعب الأفلام الخيالية كواقع حقيقي يجعلنا مجرد أغنام مع الراعي التكنولوجي المهيمن على سلطة التحري والرصد وجمع المعلومات وأننا مجرد سجناء في علبة تديرها عقول خارجية في حرب ليس لنا بها جندي أو قائد؟..
الشهور الماضية كشفت الأساليب عندما هرب «سنودن» ومعه أعظم كنز للمعلومات وقبله «ويكيليكس» وربما يلحقهما جنود الظلام السريون، إما بذريعته إنقاذ الإنسان من اختراق خصوصيته كموقف أخلاقي، أو العمل لجهة مضادة، ثم ماذا عن الدول ذات الجذور التاريخية في هذه المهنة والتي طورت أعمالها إلى ما يفوق الخيال، وهل تعتبر حروب الجواسيس في بدايات القرن الماضي بدائية أمام عصر التكنولوجيا المتقدم والعقول التي تشترى بالملايين وتسخر بفوائد تفوق ما يصرف عليها؟..
العقل البشري هو المضخة الهائلة لمضاعفات المعرفة، والقفز بالإنسان إلى «السوبر مان» ولذلك يأتي السباق على احتواء هذه العقول حرباً كبرى حيث لا ندري كيف ستدفع أعمال الجاسوسية العالم إلى أي اتجاه، وخاصة إذا دخلت دول تملك هذه العقول وأدواتها ومراكز بحثها وتطورها، لكن ماذا عنا نحن العرب؟ هل نبقى في قفص الطيور المهاجرة نقتات على غيرنا ونتحول إلى مجرد فئران أنابيب الاختبار للدول المتقدمة؟..
ذلك هو المأزق الذي لا حل له..
عالم الجاسوسية اختلط فيه الواقع بالخيال حتى أن الأقلام والنظارات والأحذية والساعات، وقبلها الحمام الزاجل وذاكرة الإنسان جندت كقوى خفية في خدمة الدول والمؤسسات، وكل ما يخدم الطرف المتفوق بهذا النشاط الذي يوضع على قائمة الحماية الوطنية، ودرء الأعداء، وهزيمة الجيوش، لكن مع التطور المتسارع صارت الأقمار الصناعية والغواصات والطائرات التي تحلق لساعات طويلة حول الكرة الأرضية، وأجهزة التصوير والرصد التي تحملها حولت الحروب الجديدة إلى ظاهرة غير مسبوقة في التواريخ البشرية كلها..
هل أصبح الإنسان عارياً تخترق جسمه آلات تصل بدقتها وحساسيتها إلى كل ما يحمله، وهل لم تعد الحيطان السميكة خارج الحماية والاختراق، وأن كل جهاز تحمله بجيبك من مفاتيح السيارة إلى الهاتف، واحتياجات الشخصية عيون تراقبك وتسجل ما تكتب وما تقول، وماذا لو وصل العلم الحديث إلى ما تفكر به ليتم غسل دماغك عن بعد أو تفجيره إذا كنت عبقرية يخشاها طرف مضاد لك ودولتك، وهل نصل في النهاية إلى رعب الأفلام الخيالية كواقع حقيقي يجعلنا مجرد أغنام مع الراعي التكنولوجي المهيمن على سلطة التحري والرصد وجمع المعلومات وأننا مجرد سجناء في علبة تديرها عقول خارجية في حرب ليس لنا بها جندي أو قائد؟..
الشهور الماضية كشفت الأساليب عندما هرب «سنودن» ومعه أعظم كنز للمعلومات وقبله «ويكيليكس» وربما يلحقهما جنود الظلام السريون، إما بذريعته إنقاذ الإنسان من اختراق خصوصيته كموقف أخلاقي، أو العمل لجهة مضادة، ثم ماذا عن الدول ذات الجذور التاريخية في هذه المهنة والتي طورت أعمالها إلى ما يفوق الخيال، وهل تعتبر حروب الجواسيس في بدايات القرن الماضي بدائية أمام عصر التكنولوجيا المتقدم والعقول التي تشترى بالملايين وتسخر بفوائد تفوق ما يصرف عليها؟..
العقل البشري هو المضخة الهائلة لمضاعفات المعرفة، والقفز بالإنسان إلى «السوبر مان» ولذلك يأتي السباق على احتواء هذه العقول حرباً كبرى حيث لا ندري كيف ستدفع أعمال الجاسوسية العالم إلى أي اتجاه، وخاصة إذا دخلت دول تملك هذه العقول وأدواتها ومراكز بحثها وتطورها، لكن ماذا عنا نحن العرب؟ هل نبقى في قفص الطيور المهاجرة نقتات على غيرنا ونتحول إلى مجرد فئران أنابيب الاختبار للدول المتقدمة؟..
ذلك هو المأزق الذي لا حل له..
منقول عن جريدة الرياض السعودية
لماذا أكتب؟
جواهر بنت محمد آل ثاني
لماذا أكتب؟ البتة إنه أول وأهم سؤال يطرحه أي كاتب على نفسه. هل هو يكتب
من أجل نفسه؟ من أجل غيره؟ من أجل أن يوثق ما بداخله كي يثبت لنفسه قبل
الناس أنه موجود وأنه كان موجوداً في حياته وحتى قبلها وبعدها؟ أم أنه يكتب
من أجل الشهرة والحشود والمجد؟ وهل يكتب الكاتب من أجل الحقيقة أو الوهم
-إن كان بينهما فرق قاطع!- هذا السؤال الكبير، يحدد قيمة الكاتب لنفسه
وغيره، ولهذا كثير من الكتاب لم يتطرقوا لجوابه، إلا أن هناك من كان شجاعاً
بالشكل الكافي للإجابة عنه، فقال الكاتب أورهان باموك الفائز بجائزة نوبل
في الآداب: "أكتب لأنني غاضب منكم جميعاً.. أكتب لأنني لا أستطيع تحمل
الحقيقة إلا وأنا أغيّرها".
وقال واسيني الأعرج "نكتب لأننا نريدُ من الجرح أن يظل حياً ومفتوحاً.
نكتبُ لأن الكائن الذي نحب ترك العتبة وخرج ونحن لم نقل له بعد ما كنّا
نشتهي قوله. نكتبُ بكل بساطة لأننا لا نعرفُ كيفَ نكره الآخرين، ولربما
لأننا لا نعرفُ أن نقولَ شيئاً آخر".
وقد حاولت الإجابة عن هذا السؤال مرات عديدة، وقد فشلت في كل مرة، إلا إنني
تطرقت لهذا السؤال لأول مرة عندما بدأت الكتابة في مدونتي في عام ٢٠١٠
فسألت نفسي لم سأكتب في مدونة؟ ما السبب الذي يجعلني سأكتب في أي شيء
أصلاً؟! ولم أجاوب على نفسي حينها، إلا أني لم أتوقف عن الكتابة، بل أقبلت
عليها أكثر كالطعام من بعد جوع.
قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت: أنا أفكر.. إذن أنا موجود، وأنا أقول: أنا
أكتب، إذاً أنا موجودة! فالكتابة وجود وتاريخ، ونحن نكتب لنُشرح أعضاءنا
الفكرية والإبداعية، لا لنُحييها.. نحن نكتب لأننا نحتاج للكتابة ونحتاج أن
يكون محلها الورق لا ذاكرتنا وأحلامنا.. الكتابة جزء لا يتجزأ من كيان
الكاتب، هي رئة ثالثة كما يقول الكاتب منصور الضبعان، أما بالنسبة للشخص
العادي أو لمن لا يحترف الكتابة، فهي جزء قابل للانفصال عن كيانه، جزء
يستطيع أن يعيش وبكل سرور بدونه لو تطلب الأمر!
لماذا نكتب؟ لأننا رغم شعورنا بوحدتنا، نؤمن بداخلنا بأن هنالك من يشاركنا
الأفراح والأتراح والأماني والمآسي، ولذلك نكتب لنشاركه كل وأعز ما نملكه،
كلماتنا!
لماذا نكتب؟ لأن هذا سؤال يتغير جوابه دائماً، ولا يوجد جواب واحد صحيح له
ولا جواب خاطئ. نكتب لأننا لا نستطيع أن نكف عن الكتابة، ولن نكف عن
الكتابة إلا عندما يقف الحاضر بجانب الماضي، ويترك المستقبل.
منقول عن صحيفة العرب القطرية
لا تسأل مؤلفاً سعودياً كم كتاباً وزعت
الكتاب مشروع فاشل في السعودية وكافة الدول العربية..
لن أشرح أسباب ذلك لأنها(يا أمة إقرأ) تجربة موجعة وحديث يطول شرحه..
ولكن يمكن القول إن احترام حقوق الملكية الفكرية، والإقبال على القراءة في الدول الأجنبية، هو مايجعل من كل كتاب هناك مشروعاً ناجحاً، ومن كل مؤلف مليونيراً جديداً(حتى في الحدود الدنيا للتوزيع)..
ففي أمريكا مثلاً توجد سوق مضمونة قوامها 119 مليون قارئ.. وفي حال نجح المؤلف في استقطاب مليون منهم فقط يكون قد وزع مليون نسخة من كتابه الجديد.. وفي حال كان نصيبه دولاراً واحداً من كل نسخة(وهذا رقم متحفظ جداً) يكون قد نال مليون دولار من أول طبعة فقط.
.. وهذا بالمناسبة المؤلف الفاشل !!
أما المؤلف الناجح فيمكنه دخول نادي البليونيرات (وهي فصيلة أعلى من المليونيرات) مثل ربة البيت البريطانية جوان كاثلين التي كتبت رواية "هاري بوتر" وباعت منها 740 مليون نسخة.
وإذا ضربنا هذا الرقم ب3 جنيهات نصيبها من كل نسخة يصبح دخلها من الرواية 2,222,000,000 جنيه إسترليني (والإسترليني رزقك الله يساوي ستة ريالات)!!
هذا الدخل الكبير(ومن رواية واحدة فقط) يجعلنا نتحسر على حال المؤلفين العرب في جميع العصور حيث ألف جلال الدين السيوطى 561 كتاباً وأبو يوسف الكندي 270 كتاباً وأبو بكر الرازي 200 كتاب، في حين لم يُصدر كاتب هذا المقال سوى 3 كتب فقط (من 80 كتاباً ماتزال حبيسة قرصه الصلب) وكل هؤلاء لا يصلون في مجموعهم لعُشر ما كسبته جوان كاثلين من بيع هاري بوتر.. الجزء الأول منه فقط!!
أما النقطة الثانية (في أسباب ثراء المؤلفين في الغرب وفقرهم في الشرق) فهو احترام الملكية الفكرية.. ففي الدول (الكُفرية) يستحيل على دور النشر إعادة طبع الكتاب أو توزيعه أو ترجمة شيء منه دون إذن المؤلف.. فكل ما يوجد داخل الكتاب من عناوين، وأسماء، وشخصيات، ومواقع خيالية، يصبح تلقائياً حقاً للمؤلف لا يجوز استعماله أو استغلاله دون موافقته أو الاتفاق معه مادياً..
فاليوم مثلاً لا يمكن لأحد أن يؤلف قصة تتضمن اسم هاري بوتر كونه أصبح مُلكاً خاصاً لجوان كاثلين، ولا شخصية لجيمس بوند (كونه مُلكاً للمؤلف أيان فلمنج) ولا المحقق شرلوك هولمز (كونه مُلكاً لآرثر ديويل) ولا حتى "سوبرمان" و "سبايدرمان" و "باثمان" (كونها شخصيات مملوكة لشركة DC Comics).. الحل الوحيد هو شراء حق الرواية - أو شخصيات الرواية - من المؤلف أو الشركة الراعية لإنتاج أجزاء أخرى (أما في حال وفاة المؤلف فيتم الدفع لورثته كما يحصل اليوم مع أيان فيلمنج الذي لم يكتب جميع أفلام جيمس بوند، أو مارغريت ميتشل التي استلم ورثتها 44 مليون دولار للموافقة فقط على تأليف جزء ثان من رواية ذهب مع الريح)!!
.. هذا الاحترام الكبير لحقوق الملكية، وهذا الإقبال الكبير على القراءة؛ لم يجعلا المؤلفين هناك فقط من أغنى الناس، بل وشجعاهم على الاستمرار في التأليف، ودور النشر على الاستمرار في إصدار كتب سنوية تفوق ما كتبه العرب طوال الألفي عام الماضية، (وخذ كمثال عام 2011 حين صدر أكثر من 328000 كتاب في أمريكا، و149000 كتاب في بريطانيا، بمجموع 477000 كتاب باللغة الإنجليزية)!!
- بصراحة؛
"أهل الكتاب" أصبحوا اليوم أهل كتب أمّا "أمة إقرأ" فأصبحت تفضل المطاعم السريعة على شراء الكتب المفيدة، واقتناء الألعاب الإلكترونية بأضعاف سعر الكتب الورقية..
وخذها نصيحة: لا تسأل مؤلفاً سعودياً كم وزعت من كتابك الأخير!!
لن أشرح أسباب ذلك لأنها(يا أمة إقرأ) تجربة موجعة وحديث يطول شرحه..
ولكن يمكن القول إن احترام حقوق الملكية الفكرية، والإقبال على القراءة في الدول الأجنبية، هو مايجعل من كل كتاب هناك مشروعاً ناجحاً، ومن كل مؤلف مليونيراً جديداً(حتى في الحدود الدنيا للتوزيع)..
ففي أمريكا مثلاً توجد سوق مضمونة قوامها 119 مليون قارئ.. وفي حال نجح المؤلف في استقطاب مليون منهم فقط يكون قد وزع مليون نسخة من كتابه الجديد.. وفي حال كان نصيبه دولاراً واحداً من كل نسخة(وهذا رقم متحفظ جداً) يكون قد نال مليون دولار من أول طبعة فقط.
.. وهذا بالمناسبة المؤلف الفاشل !!
أما المؤلف الناجح فيمكنه دخول نادي البليونيرات (وهي فصيلة أعلى من المليونيرات) مثل ربة البيت البريطانية جوان كاثلين التي كتبت رواية "هاري بوتر" وباعت منها 740 مليون نسخة.
وإذا ضربنا هذا الرقم ب3 جنيهات نصيبها من كل نسخة يصبح دخلها من الرواية 2,222,000,000 جنيه إسترليني (والإسترليني رزقك الله يساوي ستة ريالات)!!
هذا الدخل الكبير(ومن رواية واحدة فقط) يجعلنا نتحسر على حال المؤلفين العرب في جميع العصور حيث ألف جلال الدين السيوطى 561 كتاباً وأبو يوسف الكندي 270 كتاباً وأبو بكر الرازي 200 كتاب، في حين لم يُصدر كاتب هذا المقال سوى 3 كتب فقط (من 80 كتاباً ماتزال حبيسة قرصه الصلب) وكل هؤلاء لا يصلون في مجموعهم لعُشر ما كسبته جوان كاثلين من بيع هاري بوتر.. الجزء الأول منه فقط!!
أما النقطة الثانية (في أسباب ثراء المؤلفين في الغرب وفقرهم في الشرق) فهو احترام الملكية الفكرية.. ففي الدول (الكُفرية) يستحيل على دور النشر إعادة طبع الكتاب أو توزيعه أو ترجمة شيء منه دون إذن المؤلف.. فكل ما يوجد داخل الكتاب من عناوين، وأسماء، وشخصيات، ومواقع خيالية، يصبح تلقائياً حقاً للمؤلف لا يجوز استعماله أو استغلاله دون موافقته أو الاتفاق معه مادياً..
فاليوم مثلاً لا يمكن لأحد أن يؤلف قصة تتضمن اسم هاري بوتر كونه أصبح مُلكاً خاصاً لجوان كاثلين، ولا شخصية لجيمس بوند (كونه مُلكاً للمؤلف أيان فلمنج) ولا المحقق شرلوك هولمز (كونه مُلكاً لآرثر ديويل) ولا حتى "سوبرمان" و "سبايدرمان" و "باثمان" (كونها شخصيات مملوكة لشركة DC Comics).. الحل الوحيد هو شراء حق الرواية - أو شخصيات الرواية - من المؤلف أو الشركة الراعية لإنتاج أجزاء أخرى (أما في حال وفاة المؤلف فيتم الدفع لورثته كما يحصل اليوم مع أيان فيلمنج الذي لم يكتب جميع أفلام جيمس بوند، أو مارغريت ميتشل التي استلم ورثتها 44 مليون دولار للموافقة فقط على تأليف جزء ثان من رواية ذهب مع الريح)!!
.. هذا الاحترام الكبير لحقوق الملكية، وهذا الإقبال الكبير على القراءة؛ لم يجعلا المؤلفين هناك فقط من أغنى الناس، بل وشجعاهم على الاستمرار في التأليف، ودور النشر على الاستمرار في إصدار كتب سنوية تفوق ما كتبه العرب طوال الألفي عام الماضية، (وخذ كمثال عام 2011 حين صدر أكثر من 328000 كتاب في أمريكا، و149000 كتاب في بريطانيا، بمجموع 477000 كتاب باللغة الإنجليزية)!!
- بصراحة؛
"أهل الكتاب" أصبحوا اليوم أهل كتب أمّا "أمة إقرأ" فأصبحت تفضل المطاعم السريعة على شراء الكتب المفيدة، واقتناء الألعاب الإلكترونية بأضعاف سعر الكتب الورقية..
وخذها نصيحة: لا تسأل مؤلفاً سعودياً كم وزعت من كتابك الأخير!!
منقول عن جريدة الرياض السعودية
العصر الثالث
هل تعرف الفرق بين الآلة والمكينة؟
.. الآلة أداة بسيطة (كالمطرقة والعتلة والمسحاة) تسهل قيامنا بالأعمال اليدوية وتضاعف جهدنا العضلي.. أما المكينة فمجموعة آلات معقدة تتضمن محاور ومفاصل وتعتمد على الطاقة لا عضلات الإنسان (كمحرك السيارة وقاطرة الديزل)..
والعجيب أن الحضارات القديمة اعتمدت على الآلات فقط ولم ترتفع إلى مستوى ابتكار مكائن تتحرك من تلقاء ذاتها.. فالفراعنة والرومان والصينيون مثلاً بنو الإهرامات والكولونوزيوم والسور العظيم باستعمال العتلات والمطارق والمناشير - وليس رافعات الديزل أو خلاطات الإسمنت أو لاحمات المعادن..
وبناء عليه يمكن القول إن الثورة الصناعية الحديثة بدأت حين هجر الإنسان "الآلة" واعتمد على "المكينة"..
وحدث هذا تحديداً في إنجلترا أواخر القرن الثامن عشر حين بدأت مكائن الغزل تحل محل الأدوات ومهارات العمال اليدوية.. حين بدأت مكائن البخار والديزل في تحريك القطارات، ورافعات المناجم، وخطوط التصنيع، وسفن الشحن - واكتفى الإنسان بإدارة كل هذا!!
أما الثورة الصناعية الثانية فبدأت مع ظهور المصانع التي تنتج الآلات ذاتها (بحيث ينتج المصنع الواحد آلاف القطع من ذات السلعة من خلال إجراءات متماثلة الأمر الذي أتاح لنا الاستمتاع بمنتجات معقدة كالهواتف الجوالة بأسعار منخفضة)..
ورغم أن المصانع ماتزال الرحم الذي تخرج منه السلع الاستهلاكية؛ إلا أن هناك طريقة مختلفة في التصنيع بدأت تتوسع باضطراد.. طريقة لا تعتمد على استعمال المسامير والبراغي واللحام (لربط أجزاء الآلة) بل إلى طبعها وصبها ومراكمتها بطريقة "الطباعة ثلاثية الأبعاد"..
فاليوم مثلاً يمكنك أمر (طابعة الكمبيوتر) بطبع صورة مسمار صغير أو مطرقة كبيرة تجدها على الانترنت.. ستطبعها لك كما تراها على الشاشة؛ ولكن بطريقة مسطحة وبسمك لا تتجاوز فيه طبقة الألوان ربع مليمتر.. أما الطابعة ثلاثية الأبعاد فتستمر برش الحبر حتى يرتفع طبقات فوق بعضها البعض بحيث تحصل في النهاية على (مجسم) لبرغي حقيقي أو مطرقة صلبة يمكن انتزاعها من سطح الورق.. وطابعات كهذه لا تستعمل الحبر لتجسيم السلعة، بل رذاذ معدني (أو بلاستيكي وزجاجي) يجف بسرعة بحيث تحصل فوراً على المنتج بهيئته الصلبة.. ورغم أن هذه الطريقة تبدو مستقبلية وخيالية، إلا أنها في الحقيقة قديمة وواقعة فيها يتعلق بالصناعات التقنية.. فالشرائح الذكية في الأجهزة الحديثة مصنوعة بهذه الطريقة من خلال "رش" و "طبع" آلاف النسخ من شريحة نموذجية واحدة.. كما تصنع أجزاء كبيرة من هيكل وأجنحة طائرة بوينج الأخيرة (دريملاينر) بهذا الأسلوب من خلال رش ومراكمة الألياف الزجاجية حتى تتجسم ككتلة صلبة.. حتى شركات السيارات الحديثة بدأت تتخلى عن ربط أجزاء السيارة بالمسامير والبراغي وإنتاج معظم الهيكل كقطعة واحدة يتم صبها أو سبكها بطريقة الرش المعدني!!
.. أيها السادة
بناء المصانع (التي تنتج آلاف القطع المتشابهة) مكننا اليوم من امتلاك طابعات رخيصة في بيوتنا.. أما أحفادنا فسيمتلكون مستقبلاً "طابعات ثلاثية الأبعاد" تتيح لهم تصنيع وتجسيم منتجاتهم بأنفسهم من خلال سحب صورها الثلاثية عن طريق "النت"..
.. الآلة أداة بسيطة (كالمطرقة والعتلة والمسحاة) تسهل قيامنا بالأعمال اليدوية وتضاعف جهدنا العضلي.. أما المكينة فمجموعة آلات معقدة تتضمن محاور ومفاصل وتعتمد على الطاقة لا عضلات الإنسان (كمحرك السيارة وقاطرة الديزل)..
والعجيب أن الحضارات القديمة اعتمدت على الآلات فقط ولم ترتفع إلى مستوى ابتكار مكائن تتحرك من تلقاء ذاتها.. فالفراعنة والرومان والصينيون مثلاً بنو الإهرامات والكولونوزيوم والسور العظيم باستعمال العتلات والمطارق والمناشير - وليس رافعات الديزل أو خلاطات الإسمنت أو لاحمات المعادن..
وبناء عليه يمكن القول إن الثورة الصناعية الحديثة بدأت حين هجر الإنسان "الآلة" واعتمد على "المكينة"..
وحدث هذا تحديداً في إنجلترا أواخر القرن الثامن عشر حين بدأت مكائن الغزل تحل محل الأدوات ومهارات العمال اليدوية.. حين بدأت مكائن البخار والديزل في تحريك القطارات، ورافعات المناجم، وخطوط التصنيع، وسفن الشحن - واكتفى الإنسان بإدارة كل هذا!!
أما الثورة الصناعية الثانية فبدأت مع ظهور المصانع التي تنتج الآلات ذاتها (بحيث ينتج المصنع الواحد آلاف القطع من ذات السلعة من خلال إجراءات متماثلة الأمر الذي أتاح لنا الاستمتاع بمنتجات معقدة كالهواتف الجوالة بأسعار منخفضة)..
ورغم أن المصانع ماتزال الرحم الذي تخرج منه السلع الاستهلاكية؛ إلا أن هناك طريقة مختلفة في التصنيع بدأت تتوسع باضطراد.. طريقة لا تعتمد على استعمال المسامير والبراغي واللحام (لربط أجزاء الآلة) بل إلى طبعها وصبها ومراكمتها بطريقة "الطباعة ثلاثية الأبعاد"..
فاليوم مثلاً يمكنك أمر (طابعة الكمبيوتر) بطبع صورة مسمار صغير أو مطرقة كبيرة تجدها على الانترنت.. ستطبعها لك كما تراها على الشاشة؛ ولكن بطريقة مسطحة وبسمك لا تتجاوز فيه طبقة الألوان ربع مليمتر.. أما الطابعة ثلاثية الأبعاد فتستمر برش الحبر حتى يرتفع طبقات فوق بعضها البعض بحيث تحصل في النهاية على (مجسم) لبرغي حقيقي أو مطرقة صلبة يمكن انتزاعها من سطح الورق.. وطابعات كهذه لا تستعمل الحبر لتجسيم السلعة، بل رذاذ معدني (أو بلاستيكي وزجاجي) يجف بسرعة بحيث تحصل فوراً على المنتج بهيئته الصلبة.. ورغم أن هذه الطريقة تبدو مستقبلية وخيالية، إلا أنها في الحقيقة قديمة وواقعة فيها يتعلق بالصناعات التقنية.. فالشرائح الذكية في الأجهزة الحديثة مصنوعة بهذه الطريقة من خلال "رش" و "طبع" آلاف النسخ من شريحة نموذجية واحدة.. كما تصنع أجزاء كبيرة من هيكل وأجنحة طائرة بوينج الأخيرة (دريملاينر) بهذا الأسلوب من خلال رش ومراكمة الألياف الزجاجية حتى تتجسم ككتلة صلبة.. حتى شركات السيارات الحديثة بدأت تتخلى عن ربط أجزاء السيارة بالمسامير والبراغي وإنتاج معظم الهيكل كقطعة واحدة يتم صبها أو سبكها بطريقة الرش المعدني!!
.. أيها السادة
بناء المصانع (التي تنتج آلاف القطع المتشابهة) مكننا اليوم من امتلاك طابعات رخيصة في بيوتنا.. أما أحفادنا فسيمتلكون مستقبلاً "طابعات ثلاثية الأبعاد" تتيح لهم تصنيع وتجسيم منتجاتهم بأنفسهم من خلال سحب صورها الثلاثية عن طريق "النت"..
منقول عن جريدة الرياض السعودية
في بيتنا جاسوس
انتهيتُ مؤخراً من قراءة كتاب خاص عن تاريخ
المخابرات العالمية - بما فيها الاسرائيلية والأمريكية والروسية - .. ورغم
كثرة الأحداث المشوقة والفضائح المروعة لفت انتباهي قصة مؤثرة حدثت فيما
كان يعرف سابقا ب"المانيا الشرقية".. فقبل اتحاد الألمانيتين في دولة واحدة
كانت هناك سيدة تدعى "فيرا فولنبرغر" مناهضة للحكومة الشرقية. ورغم
الصعوبات التي واجهتها كان زوجها "كنود" يشجعها ويقف بقربها ويشد من أزرها.
ولأنها تدرك أن عملاء الستاسي (الاسم الرسمي للمخابرات السرية في ألمانيا
الشرقية) يحيطون بها من كل جانب كانت حذرة في تصرفاتها وتحيط عملها بسرية
تامة.. ومع ذلك تسربت صور وتسجيلات لقاءاتها السرية فتمكنت الستاسي من
كشفها وسجنها لفترة طويلة . وكما هو متوقع واظب زوجها المخلص على زيارتها
والرفع من معنوياتها، وأصبح شيئاً فشيئاً الوسيلة الوحيدة لاتصالها مع
مجموعتها في الخارج. وحين انتهى الحكم الشيوعي - واتحدت الدولتان - أطلق
سراحها وأصبحت شخصية سياسية مرموقة وانتخبت عضواً في البرلمان الألماني..
وحين قررت الاطلاع على ملفها الشخصي في أرشيف المخابرات المنحلة - تشجيعاً
لبقية الناس لفعل ذلك - أصيبت بصدمة شلت حركتها تماما .. فقد اكتشفت أن
زوجها "كنود" كان عميلاً للنظام، وطوال عشرين عاما كان يزود الستاسي
بتحركاتها ومحادثاتها وصورها - بل وأخبرهم بأسماء المعارضين الذين تتصل بهم
من السجن!
... هذه الحالة (الخاصة) تقودنا للحديث عن الأرشيف (العام) لبقية الناس في الحكومة الماركسية السابقة؛ فبعد اتحاد الدولتين أصبح بالإمكان الكشف عن أرشيف الستاسي (STASI) .. وحين تم الكشف عنه لأول مرة صعق العالم من حجم الشك وجنون الارتياب الذي وصل اليه النظام السابق؛ حيث اكتشف مثلا:
* وجود ملفات أمنية ل16 مليون مواطن تم التجسس عليهم لمجرد الشك في ولائهم وتصرفاتهم.
* ورفوف وضعت عليها الملفات يزيد طولها على 80 كلم حصيلة 45 عاماً من المراقبة والتجسس وتلفيق التهم!
* وأكوام لا تحصى من النصوص المقروءة للمحادثات الهاتفية والجلسات العائلية وحوارات العمل والأصدقاء، ويوجد تحت المريب منها خطوط حمراء!!
* كما يوجد في أرشيف الستاسي أكوام هائلة من قصاصات الجرائد والمجلات التي كتبها الأدباء والمثقفون وشكّ فيها الجهلة والمتخلفون من عملاء النظام!.
* وملايين الأفلام والصور التي التقطت خفية وبطريقة عشوائية لأي تجمع يزيد على (ثلاثة اشخاص)!!
* ويضم الأرشيف أيضا أعقاب السجائر وآلاف الأكواب التي شرب بها الموطنون بغرض فهرسة (لعابهم) واستخراج بصمتهم الوراثية !!
* كما يضم قطع قماش تحتفظ بروائح المشتبه بهم (محفوظة في أوان زجاجية محكمة) لحين الحاجة اليها، أو إطلاق الكلاب للبحث عن أصحابها!
* أضف لكل هذا آلاف الأقلام والمفاتيح والمحافظ والتذاكر ووو... أي مادة أمسكها المواطنون ذات يوم وتركوا بصمتهم عليها!!
.. باختصار وصل جنون الارتياب مستوى لايمكن تصديقه وأصبح التجسس يستقطع من ميزانية الدولة مايزيد على الصحة والتعليم.!
وفي حين كانت شقيقتها ألمانيا الغربية (تشتري) منها حرية السجناء السياسيين بملايين الفرنكات، كانت ألمانيا الشرقية تحول هذه الملايين لجهاز الستاسي لشراء أحدث التقنيات الغربية لتطوير عمله في المراقبة والتجسس !
.. العجيب أن أغلب المواطنين "الشرقيين" رفضوا استلام ملفاتهم الخاصة بعد انهيار النظام السابق خشية أن يصدموا كما صدمت السيدة "فيرا فولنبرغر".. أما الدرس الذي يدعو للتأمل فعلا فهو أن حكومة ألمانيا الموحدة دمرت لاحقا هذا الأرشيف (وأعادت لكل مواطن ملفه الخاص) ومع ذلك لم ينهر فيها النظام أو يسقط فيها الحكم - بل ارتفعت فيها نسبة الرخاء إلى حدود لا تحلم بها الدول البوليسية -!
المخيف فعلًا أن ملفات الستاسي كُشفت في دولة كان مستوى الارتياب فيها أقل من دول عربية كثيرة.. وحسب رأيي فلن يمر وقت طويل حتى نسمع بمآس تفوق ما حدث للسيدة "فولنبرغر" في الأنظمة العربية المتداعية هذه الأيام.. وإن غداً لناظره قريب!!
... هذه الحالة (الخاصة) تقودنا للحديث عن الأرشيف (العام) لبقية الناس في الحكومة الماركسية السابقة؛ فبعد اتحاد الدولتين أصبح بالإمكان الكشف عن أرشيف الستاسي (STASI) .. وحين تم الكشف عنه لأول مرة صعق العالم من حجم الشك وجنون الارتياب الذي وصل اليه النظام السابق؛ حيث اكتشف مثلا:
* وجود ملفات أمنية ل16 مليون مواطن تم التجسس عليهم لمجرد الشك في ولائهم وتصرفاتهم.
* ورفوف وضعت عليها الملفات يزيد طولها على 80 كلم حصيلة 45 عاماً من المراقبة والتجسس وتلفيق التهم!
* وأكوام لا تحصى من النصوص المقروءة للمحادثات الهاتفية والجلسات العائلية وحوارات العمل والأصدقاء، ويوجد تحت المريب منها خطوط حمراء!!
* كما يوجد في أرشيف الستاسي أكوام هائلة من قصاصات الجرائد والمجلات التي كتبها الأدباء والمثقفون وشكّ فيها الجهلة والمتخلفون من عملاء النظام!.
* وملايين الأفلام والصور التي التقطت خفية وبطريقة عشوائية لأي تجمع يزيد على (ثلاثة اشخاص)!!
* ويضم الأرشيف أيضا أعقاب السجائر وآلاف الأكواب التي شرب بها الموطنون بغرض فهرسة (لعابهم) واستخراج بصمتهم الوراثية !!
* كما يضم قطع قماش تحتفظ بروائح المشتبه بهم (محفوظة في أوان زجاجية محكمة) لحين الحاجة اليها، أو إطلاق الكلاب للبحث عن أصحابها!
* أضف لكل هذا آلاف الأقلام والمفاتيح والمحافظ والتذاكر ووو... أي مادة أمسكها المواطنون ذات يوم وتركوا بصمتهم عليها!!
.. باختصار وصل جنون الارتياب مستوى لايمكن تصديقه وأصبح التجسس يستقطع من ميزانية الدولة مايزيد على الصحة والتعليم.!
وفي حين كانت شقيقتها ألمانيا الغربية (تشتري) منها حرية السجناء السياسيين بملايين الفرنكات، كانت ألمانيا الشرقية تحول هذه الملايين لجهاز الستاسي لشراء أحدث التقنيات الغربية لتطوير عمله في المراقبة والتجسس !
.. العجيب أن أغلب المواطنين "الشرقيين" رفضوا استلام ملفاتهم الخاصة بعد انهيار النظام السابق خشية أن يصدموا كما صدمت السيدة "فيرا فولنبرغر".. أما الدرس الذي يدعو للتأمل فعلا فهو أن حكومة ألمانيا الموحدة دمرت لاحقا هذا الأرشيف (وأعادت لكل مواطن ملفه الخاص) ومع ذلك لم ينهر فيها النظام أو يسقط فيها الحكم - بل ارتفعت فيها نسبة الرخاء إلى حدود لا تحلم بها الدول البوليسية -!
المخيف فعلًا أن ملفات الستاسي كُشفت في دولة كان مستوى الارتياب فيها أقل من دول عربية كثيرة.. وحسب رأيي فلن يمر وقت طويل حتى نسمع بمآس تفوق ما حدث للسيدة "فولنبرغر" في الأنظمة العربية المتداعية هذه الأيام.. وإن غداً لناظره قريب!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق