لم تكن ليلى كغيرها من بنات حوا , فهي لم تحلم كبقية البنات بفارس أحلامها ,
ولم ترسم في مخيلتها الزواج من رجل ثري يغدق عليها الحب والحنان ويسكنها البيت الواسع , ويملئ معصميها بالذهب كزيجات الأغنياء في وقتها .!
- كانت ليلى في التاسعة عشر من عمرها عندما تقدم أهل محمد لخطبتها من خالها ولي أمرها والذي تبناها بعدما عاشت اليتم , وكان الخال مثقل كاهله بأسرته وعائلته الكبيرة , فوافق من فوره على زواج ليلى من محمد .
كان محمد يخدم في الجيش الخدمة ألإلزامية أيام الحرب العراقية ألإيرانية فكان زواجها من محمد زواجاً تقليدياً وواقع حال .
رغم إن ليلى كانت الخادمة في بيت خالها وقضت طفولتها وشبابها بين إعداد الطعام وتنظيف البيت وغسل الصحون والملابس ألا أن أحداً لم ينصفها في عدالة الحب والاحترام ..!!
- دخلت ليلى عش الزوجية وسكنت مع أهل زوجها , ولم تمضي في عرسها غير عشرة أيام فقط , فهذا كان شهرُ عسلها , حسب الأجازة العسكرية الممنوحة لزوجها محمد ,
ألتحق الزوج بعد انقضاء مدة الإجازة إلى وحدته العسكرية متأملاً الحصول على مساعدة من أحد الضباط وتكملة عدة أيام أُخريات مع عروسته ليلى .؟!
أما ليلى فكانت كعادتها تقوم بخدمة جميع أهل البيت من أخوته بمن فيهم أخته المطلقة و أطفالها الثلاثة ,
وليس لها أن تأخذ قسطاً من الراحة ألا في الليل عندما تذهب إلى غرفتها , وهناك فقط تستطيع أن تختلي بنفسها وتفكر بزوجها متمنية سرعة رجوعه إليها .
ألا أن القدر كان أقوى من تدبير البشر , فمحمد ذهب إلى غير رجعة ؟!
فوحدته العسكرية تعرضت لهجوم من قبل القوات الإيرانية وفُقد محمد في ساحة المعركة...
تناقلت وكالات الأنباء والبيانات العسكرية خبر الهجوم للقوات الإيرانية على القطاعات العراقية بما فيها القاطع المنتسب إليه زوجها , ووصل الخبر إلى مسامع ليلى وأهله ,
وبدأت العائلة بأكملها تترقب الأخبار والبيانات العسكرية حول تطورات الهجوم في تلك المنطقة الساخنة , متأملين ومنتظرين رجوع أبنهم البكر أو على ألأقل سماع أخبار طيبة عنه ,
مر شهر على ذهاب محمد دون سماع أخباره حتى قرر ألأهل الذهاب بأنفسهم إلى وحدته العسكرية والسؤال عنه ورؤيته والاطمئنان عليه ...
فكان الخبر كالصاعقة بالنسبة لهم جميعاً حين تيقنوا بان أبنهم فُقد في أرض المعركة .
دب الحزن واليأس في قلب ليلى التي لم تعرف معنى الرجل والرجولة غير عشرة أيام ,
فهي حتى لم تتعرف على شخصيته الحقيقة خلال تلك ألأيام ...
- مرت تسعة أشهر وليلى تنتظر مولودها وعسى أن يكون ولداً يشبه أباه .؟!
وقد رُزقت بولد . فكانت فرحتها كبيرة بمولده ,
ألا أن الحزن لم يفارقها وهي تتذكر زوجها وتفكر بحال ابنها الذي يكبر وينشأ وهو بعيد عن أبيه الذي تتمنى سماع ولو خبر أسره على ألأقل ..!!
سمت أو سموا ! مولودها الجديد أحمد الذي كان دورها كأم هو أرضاعه فقط !!
أما تربيته وحضانته فقد تكفل بها أهل زوجها بحجة انه أبن أبنهم البكر ووليُ عهده , وهم أحق بتربيته وحضانته !!
بدأت معاملة أهل الزوج تسوء لليلى وبدأ كاهل هذه المرأة يثقل , حتى بدا واضحاً أن مهمتها في الحياة هي خدمة الآخرين والسهر على راحتهم .!!
- بعد خمسة وعشرين سنة كبُرَ أحمد وتزوج من عنود , وتنفست أم أحمد الصعداء !!
علَها تجد الراحة في ما بقى لها من عمرها في بيت أبنها الوحيد وتقرعينها بأولاده ,
ولكن لا تأتي الرياح دائماً كما تشتهي السفن ؟!
فعنود أسمٌ على مسمى لم يختلف العيش معها عن سابقيها ممن عاشت أم أحمد معهم بحكم اليُتم , وظروف الحياة الزوجية ,
والتي لا تعرف للرحمة والعدالة طريقاً إلى قلوبهم .!!
فعنود كانت تعامل أم أحمد كخادمة ؟!
تفرض عليها القيام بكل خدمات المنزل من إعداد الطعام إلى تنظيف البيت وغسل الملابس وتربية طفليها ,
وكانت تجبرها أن تخبز لها في الطابق الثاني من بيتها صيفاً وشتاءاً , بحجة المحافظة على نظافة البيت ,
وكانت أم أحمد تحمل لوحدها أسطوانة الغاز على كتفها إلى الطابق الثاني وبعد الانتهاء من الخبز تنزلها إلى الطابق الأرضي فكانت تفعل ذلك كلما تخبز لأحمد وزوجته !!
وفي أحد ألأيام تنبه الجيران على صوت صراخ عنود الهستيري وهرعوا لنجدتها ,
وإذا بهم يتفاجئون بعنود وهي تدفع أم أحمد خارج البيت ,
وتلفظ ألفاظا نابية على هذه المرأة تخدش الحياء والكرامة ألإنسانية !!
عامدة إلى رمي حاجياتها وملابسها الخاصة أمام أنظار المتفرجين من المارة والجيران , وأم أحمد تبكي وتهرع للملمة ملابسها نحو
صدرها ,
وعلامات الأسى والدهشة تملأ وجوه الناس وهم متعجبين من صنيع عنود واستهتارها ,
حتى أن بعض الجيران طلبوا من أم أحمد أن ترافقهم إلى بيوتهم وأن تعيش معهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا ...
وصل الخبر إلى أحمد وهرع مسرعاً يبحث عن أمه , فوجدها عند أهل الصلاح ,
أخذ أمه إلى البيت وحال وصولها للبيت سمعت عنود بقدوم أم أحمد فبادرت بالقول ( أحمد لو أني لو أمك بالبيت ) , وأمام هذا الموقف العجيب !!
عاتب أحمد أمه قائلاً يا أماه ألم اقل لكي ألا تُغضبي عنود ..!!
رفعت أم أحمد رأسها ونظرت إلى ولدها وقالت يا بني لطالما تحملت من أجلك الكثير وحرصت على سلامتك مراراً وتكرارا ,
يا بني فها أنا اترك لك بيتك وزوجتك كي تهنئوا بالعيش وأنا بعيدة عنكم .؟!
خرجت أم أحمد منذُ ذاك اليوم ولا أحد يعلم أين وماذا حل بها ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق