الترحيب

نرحب بالزوار الكرام , ونتمنى دوام التواصل ...



الأحد، 12 فبراير 2012

الدروس الخصوصية , ظاهرة , أم وباء ؟!



كَثُرَ الحديث عن هذه الظاهرة التي لم تعد ظاهرة , بل أصبحت وباء أصابَ العلم والتعليم في العراق , وباء أُضيف إلى ألأوبئة النفسية والاجتماعية والأخلاقية  في هذا البلد المنكوب ؟!

أنتقل بذاكرتي إلى عقد الثمانينات من القرن المنصرم وبالتحديد عام 1985, عقد خاض فيه العراق أشرس حرب استنزافيه في منطقة الشرق الأوسط , حرب كلفت العراق خيرة شبابه وإمكانياته العسكرية والاقتصادية !!
كانت من سياسة حكومة البعث الفاشي آنذاك هو إصدار تعليمات إلى وزارات التربية والتعليم لفرض سلسلة عقبات  صارمة على منهاج التعليم وعلى حريات الطلبة , لزيادة نسبة الرسوب  وحشد أكبر عدد ممكن من الطلبة والشباب وبالتالي الجنود إلى ساحات الوغى والحرب العبثية ؟!

فكانت أجواء التوتر والخوف والقلق سائدة في كافة جوانب الحياة بما فيها الجانب التعليمي , وخاصة عند طلبة المرحلة الإعدادية والثانوية , وذلك خوفاً على مصيرهم في حالة رسوبهم وفشلهم في تكملة الدراسة , إذ كانت نار الحرب وجبهات القتال بانتظارهم !!

وبعد هذه المقدمة , أود أن ألج إلى صلب الموضوع , في هذه الأجواء المشحونة بالحرب والخوف والقلق وكافة مظاهر التوتر , كنا نحن طلبة السادس العلمي بانتظار بداية السنة الدراسية الجديدة , سنة تحدد مصيرنا مستقبلنا وحياتنا فهل يا ترى نوفق بتكملة الدراسة والجامعة ونبتعد عدة سنوات عن ساحات الحرب وجبهات القتال , أم نفشل ونُساق إلى الموتِ سوقاً !!

كنت أعاني من مشكلة في مادة الكيمياء ويصيبني الدوار كلما ذكر أسمهاُ ,  
وهنا دخل علينا المدرس الجديد المختص بهذه المادة  , وأسمه الأستاذ ساجد , ذكره الله في عليائه وجعله من الساجدين يوم العرض عليه .
دخل الأستاذ الجديد ومعه الابتسامة التي كنا بحاجة إلى رؤيتها لزرع الثقة في نفوسنا في هذه الأجواء المشحونة , أجواء الدراسة وأجواء الحرب في البلد , وبدأ بالسلام علينا والسؤال عن أحوالنا وعن مدى فهمنا ونظرتنا عن مادة الكيمياء وبعد الاستماع إلى أراء الطلبة ووجهات نظرهم حول المادة , بدأ بالحديث مبشراً الطلبة بأن هذه المادة  من المواد البسيطة والسهلة والمهمة في الحياة وتعهد بأن يثبت لنا ذلك من خلال الأيام القادمة وأن يجعلها من أحب المواد إلى قلوبنا !!
شريطة أن نجلب ثلاثة ألوان مختلفة من ألأقلام لتنسيق كتابة ما يمليه علينا , وأن نهتم بنظافة وترتيب الدفتر وفق ما يخططه لنا , واسترعى انتباهنا إلى أهمية التركيز على شرحه للمادة أثناء الحصة الدراسية , وأن نترك كتابة أي ملاحظة أو أي شي يتعلق بالموضوع أثناء إلقاءه للمحاضرة , وتعهد بأن يعيد شرح المادة الغير مفهومة عدة مرات حتى يتم فهمها من قبل الجميع , ولا يغادر الموضوع حتى يتم فهمه من قبل جميع الطلبة , وتعهد أيضا بأن يترك لنا الوقت الكافي لكتابة وتدوين جميع ملاحظاته ومعادلاته وقوانينه المتعلقة بالمادة , أخيراً تعهد بنجاح الجميع وبدرجات متفوقة شريطة قراءة  جميع ملاحظاته وما يمليه علينا ..

توالت ألأيام علينا ونحن ُ نسير وفق ما أرد منا أستاذنا الحبيب المهيب والذي لم يكن أستاذاً فحسب , بل كان مثالاً للمربي الفاضل وتجلى كل صفات التربية والتعليم في شخصه الكريم الذي كرس كل وقته وجهده وأستخدم كل وسائل التعليم لإيصال المادة إلى طلبته وأخوته وأبناءه فكان خير مثال للمربي والمعلم أدامه الله وحفظه من كل سوء ووفقه لما يحب ويرضى . 
اقتربنا من نهاية السنة الدراسية ودخلنا الامتحانات النهائية فهنا أتحدث عن نفسي وعن تجربتي الشخصية مع مادة كنت أصاب بالدوار من ذكر أسمها فكان معدلي النهائي بهذه المادة وشهادتي موجودة إلى ألان هي 98% ...

نعم . إذا المسألة ليست صعوبة المادة , بل طريقة إيصال المادة للطلبة , وبذل الجهد والوقت الكافي لذلك .؟؟

لم يكن مدرس هذه المادة وهو ألأستاذ ساجد حفظه الله الوحيد بهذه الصفات والمؤهلات التدريسية والتربوية الرائعة , ولكن أحببت ذكره لكثرة تعلقي بشخصه الكريم , بل أن مدرس مادة الرياضيات والفيزياء والأحياء وبقية المواد ألأخرى كلهم كانوا على نفس الشاكلة من الصفات والخلق التربوي والتعليمي الرفيع حفظهم الله ورعاهم جميعاً ...     

 أن ألاهتمام بالعلم والتعليم في المجتمعات المتقدمة تعتبر ركناً أساسياً وسمة من سماتها وأولوية من أولوياتها , بدءاً بالمدارس وتوفير المستلزمات والخدمات فيها, مرورا بمناهجها العلمية وكوادرها التدريسية , وانتهاءً بغرس القيم والأخلاق فيها
وكان من نتاج هذا الاهتمام والرعاية بجانب العلم والتعليم هو مجتمع متحضر يعرف حقوقه وواجباته ومن ثمرات التحضر تقدمه علمياً , وإنسانيا , واقتصاديا , وهنا لا أريد المقارنة بين مجتمعنا والمجتمعات المتقدمة من ناحية التعليم والعلم , فليس هناك وجه للمقارنة , فنحن ولله الحمد دائما نسير خلف ركب المجتمعات .؟!

ولكنني أحب التنويه إلى ظاهرة واحدة فقط من بين الكثير من الظواهر التدريسية ألا وهي ظاهرة الدروس الخصوصية والتي هي من أهم ألأسباب الرئيسية في تخلف وتراجع مستوى العلم والتعليم بين الطلبة  ..

وتتميز هذه الظاهرة بكثير من السلبيات والمضار كما أشارة إليها الباحثون , والتي سأورد قسماً منها :

* هذه الظاهرة تؤدي إلى انعدام فرص تساوي التعليم بين الطلبة حيث يستفيد من جهد وخبرة المدرس المختص فقط ذوي الدخل المرتفع وذلك من خلال الدروس الخصوصية ويحرم منها ذو الدخل المحدود والمنخفض .

* إنهاك المدرس في دروسه الخصوصية ينعكس على أداءه في المدرسة وذلك لان كل جهده ووقته نفذ فلا وقت ولا جهد إضافي يملكه لطلبة مدرسته .

* عدم اهتمام الطلبة الذين يحصلون على الدروس الخصوصية على الدرس الذي يؤدى في الفصل مما يجعل بعضهم يؤثر سلباً ببعض السلوكيات على بقية الطلبة الذين حرموا الحصول على الدروس الخصوصية بسبب قلة أو محدودية ميزانيتهم وليس أمامهم فرصة للتعلم غير الفصل الدراسي .

* ضياع وقت الطلبة بين الدروس الخصوصية هنا وهناك مما يؤثر على مستواهم في بقية المواد .

* إرهاق أولياء الأمور وميزانية ألأسرة المكلفة بكثير من ألأمور المادية ألأساسية المتعارف عليها في مجتمعنا الحاضر، وأضيف أليها وبامتياز هذه الظاهرة وهذا الوباء الذي أثقل كاهل المجتمع عموماً والأُسر خصوصا المجبرة على إيفاء بالتزاماتها المادية تجاه المدرسيين الخصوصيين .

* مشاكل أخلاقية قد تحصل نتيجة الاختلاط بين الطلاب والطالبات في المراحل الثانوية ينتج عنها أثار سلبية خطيرة .

* وأخيراً وهو ألأهم نظرة الطالب إلى المدرس حيث ينظر الطالب إلى ألأخير على أنه يقدم خدماته التعليمية كأجير وليس مثالاً لمربي يقتدى به.. 

السؤال هنا , لماذا هذه الظاهرة موجودة في مجتمعنا ، هل بسبب قلة رواتب المدرسين المربين , أم هناك أسباب أخرى ؟!
ولماذا لم يحد من هذه الظاهرة ويقضى عليها ويحاسب المقصر فيها !!
وكيف يُجعل من المدارس دعاية أعلانية لهذا المدرس الخصوصي وذاك.!
إذا كان العلم الحقيقي لا يأتي ألاعن طريق الدروس الخصوصية وفي بيوت المدرسين ، إذاً ما نَفعُ المدارس وتواجدها وصرف المليارات على إنشاءها ؟!!
ما ذنب الفلاح والعامل الكادح وحتى الموظف ، أن يرسلوا فلذات أكبادهم إلى المدارس وساحات العلم ولا يرجع هؤلاء الطلبة إلى ذويهم إلا بالعلم القليل ، أما التربية والآداب العامة فحدث ولا حرج ؟!

أليست مسؤولية المدرسة الحرص على تعليم أبناءنا ألا ينبغي أن يُعطى كل ذي حق حقه

أليست مسؤولية المجتمع تخلف أبناءهُ

أليست مسؤولية الدولة قصور التعليم في مدارسها

أين دور الرقابة الحكومية

أين دور الضمير , والشرف المهني والأخلاقي

هذه أسئلة أضعها بين يديك عزيزي القارئ ....
ودعوة بل صرخة للقضاء على هذه الظاهرة وهذا الوباء إذا صح التعبير , فهل من مجيب .؟؟


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad